عنوان الفتوى : مدى جواز إطلاق وصف العبودية على المعجبين بالأشياء
السؤال
هل يجوز وصف فئة بالعبيد، مثلا:
المعجبون بالكرة = عبيد الكرة.
المعجبون جدا بالغرب = عبيد الغرب.
وهكذا؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجوز إطلاق وصف العبودية لشيء ما -ككرة القدم مثلا أو الغرب- على من يتعلقون به، ويعظمونه، ويحبونه محبة مخالفة للشرع، من باب التحذير والتنفير من ذلك -لكن على وجه العموم، دون إطلاق هذا الوصف على أشخاص معينين-.
وقد جاء في الشرع إطلاق العبودية بهذا المعنى.
قال ابن تيمية: فالمحبوبات المعظمة لغير الله، قد أثبت الشارع فيها اسم التعبد، كقوله في الحديث الصحيح: تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، إن أعطي رضي، وإن منع سخط.
فسمي هؤلاء الأربعة الذين إن أعطوا رضوا، وإن منعوا سخطوا؛ لأنها محبتهم ومرادهم، عبادا لها، حيث قال: عبد الدرهم وعبد الدينار، وعبد القطيفة وعبد الخميصة.
فإذا كان الإنسان مشغوفا بمحبة بعض المخلوقات لغير الله، الذي يرضيه وجوده، ويسخطه عدمه، كان فيه من التعبد بقدر ذلك.
ولهذا يجعلون العشق مراتب مثل العلاقة، ثم الصبابة، ثم الغرام، ويجعلون آخره التتيم، والتتيم التعبد، وتيم الله هو عبد الله، فيصير العاشق لبعض الصور عبدا لمعشوقه. اهـ. من جامع الرسائل لابن تيمية.
وقال أيضا: لا بد للنفس من شيء تطمئن إليه، وتنتهي إليه محبتها؛ وهو إلهها. ولا بد لها من شيء تثق به، وتعتمد عليه في نيل مطلوبها هو مستعانها؛ سواء كان ذلك هو الله أو غيره.
وإذا: فقد يكون عاما وهو الكفر، كمن عبد غير الله مطلقا، وسأل غير الله مطلقا، مثل عباد الشمس والقمر وغير ذلك، الذين يطلبون منهم الحاجات، ويفزعون إليهم في النوائب.
وقد يكون خاصا في المسلمين، مثل من غلب عليه حب المال، أو حب شخص، أو حب الرياسة، حتى صار عبد ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم: تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة: إن أعطي رضي، وإن منع سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش. اهـ. من مجموع الفتاوى.
وقال ابن رجب: الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش.
فدل هذا على أن كل من أحب شيئا وأطاعه، وكان غاية قصده ومطلوبه، ووالى لأجله، وعادى لأجله؛ فهو عبده، وذلك الشيء معبوده وإلهه. اهـ. من تحقيق كلمة الإخلاص.
وأما إطلاق وصف العبودية لشيء ما على وجه السب والشتم لشخص معين معلوم، دون وجه حق، فهو منهي عنه شرعا.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: سب المسلم بغير حق، حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقال الهيثمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة التاسعة والثمانون: سب المسلم، والاستطالة في عرضه، قال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا} [الأحزاب:58]. وأخرج الشيخان عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسق، وقتاله كفر». ومسلم، وأبو داود، والترمذي: «المتسابان ما قالا، فعلى البادئ منهما؛ حتى يتعدّى المظلوم». والبزار بسند جيد: «سباب المسلم كالمشرف على الهلكة».
وابن حبان في صحيحه عن «ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قلت: يا رسول الله، الرجل يشتمني وهو دوني، أعليّ منه بأس أن أنتصر منه؟ قال: المتسابان شيطانان، يتهاتران، ويتكاذبان». ولابن حبان: «وإن امرؤ عيّرك بشيء يعلمه فيك، فلا تعيّره بشيء تعلمه فيه، ودعه يكون وباله عليه، وأجره لك، فلا تسبنّ شيئًا. قال: فما سببت بعده دابة، ولا إنسانًا».
تنبيه: عدّ سب المسلم كبيرة، هو صريح هذه الأحاديث الصحيحة؛ للحكم فيه على سباب المسلم بأنه فسق، وأنه يؤدّي إلى الهلكة، وأن فاعله شيطان، وغير ذلك، وهذا كله غاية في الوعيد الشديد، وبه صرّح جماعة من أئمتنا، لكن المعتمد عند أكثرهم خلافه. وحملوا حديث: «سباب المسلم فسوق» على ما إذا تكرر منه، بحيث يغلب طاعته. اهـ. باختصار.
والله أعلم.