عنوان الفتوى : هل تجوز مخاطبة الجن والملائكة؟
إذا تحدث الناس إلى العالم غير المرئي، على سبيل المثال يخاطبون جنّا أو ملاكًا أو ميتًا، فهل يعتبر هذا من الشرك الأكبر؟ لا يستغيث بهم، ويطلب منهم أيّ شيء أو يتوكل عليهم ..الخ، لكن لو قال أحدهم: "يا جنّ هل أنت هناك؟" أو "يا ملاك هل أنت هنا" إلخ، فهل يعتبر هذا شرك أكبر؟ يذهب بعض الأشخاص عند وفاة أحد أحبائهم إلى قبره أو قبرها، ويتحدثون إلى المتوفَّى كما لو كان لا يزال على قيد الحياة، وإذا لم يسألوهم عن شيء، ويتحدثون فقط معهم، فما حُكم الشرع في ذلك؟ إذا قام أحدهم بزيارة مكان مهجور، وقال: يا جنّ هل أنت هنا، هل هذا يعتبر شرك أكبر؟ وإذا لم يطلب منهم شيئا، لكن الشخص فقط يريد التواصل، ما حُكم ذلك؟
الحمد لله.
أولا:
لا يشرع خطاب الجن أو الملائكة، كأن يقول الإنسان: أيها الجني أو أيها الملك هل أنت هنا، أو هل تسمعني ؟ كما لا يشرع لنا التواصل معهم، فهذا عالم من الغيب، يروننا ولا نراهم، ويسمعون كلامنا ولا نسمعهم، ولو كان التواصل معهم مشروعا لجاء الإذن فيه في كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أن مثل هذا العمل يفتح على العبد أبوابا من الوساوس، والهلاوس، هو في غنى عنها، ويجره إلى الرجم بالظن الكاذب، والقول بغير علم، وربما جره، إذا توهم تجاوبهم، وتفاعلهم معه، إلى أن يطلب منهم، أو يستنصر بهم، أو يستغيث بهم في شدائده، وملماته؛ وإلا، كان نداؤه، وقوله: عبثا، وعملا لا معنى له!!
والمشروع في حق الموتى زيارتهم والسلام عليهم والدعاء لهم، وليس الكلام والحديث معهم.
وينبغي أن ينشغل الإنسان بما ينفعه، وأن يحذر من التعلق بالأوهام، والتكلف، والاختراع.
ثانيا:
خطاب الجني أو الملك أو الميت إنما يكون شركا إذا كان دعاء له، وهو ما تضمن طلب حاجة، من جلب نفع، أو دفع ضر؛ كأن يستعيذ بالجن، أو يستغيث بهم، أو يطلب ذلك من الميت أو من الملك.
قال تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6.
وقال تعالى: ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) الأحقاف/5.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية الأولى (8/ 239): "وَقَوْلُهُ: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا أَيْ: كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فَضْلًا عَلَى الْإِنْسِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعُوذُونَ بِنَا، أَيْ: إِذَا نَزَلُوا وَادِيًا أَوْ مَكَانًا مُوحِشًا، مِنَ الْبَرَارِي وَغَيْرِهَا، كَمَا كَانَ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي جَاهِلِيَّتِهَا؛ يَعُوذُونَ بِعَظِيمِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، مِنَ الْجَانِّ، أَنْ يُصِيبَهُمْ بِشَيْءٍ يَسُوؤُهُمْ، كَمَا كَانَ أَحَدُهُمْ يَدْخُلُ بِلَادَ أَعْدَائِهِ فِي جِوَارِ رَجُلٍ كَبِيرٍ وَذِمَامِهِ وَخَفَارَتِهِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجِنُّ أَنَّ الْإِنْسَ يَعُوذُونَ بِهِمْ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنْهُمْ، فَزَادُوهُمْ رَهَقًا أَيْ: خَوْفًا وَإِرْهَابًا وَذُعْرًا، حَتَّى بَقُوْا أَشَدَّ مِنْهُمْ مَخَافَةً، وَأَكْثَرَ تَعَوُّذًا بِهِمْ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: فَزَادُوهُمْ رَهَقًا أَيْ: إِثْمًا، وَازْدَادَتِ الْجِنُّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ جَرَاءَةً" انتهى.
والحاصل:
أن دعاء الجن أو الملائكة شرك، وخطابهم دون دعاء لا يجوز، وهو باب ووسيلة إلى الشرك.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |