عنوان الفتوى : لماذا لمْ يناد الله النبي صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد في القرآن؟
لماذا يدعو/ينادي الله سبحانه وتعالى الأنبياء والمرسلين عليهم الصلام والسلام بأسمائهم، أما النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيسميه بأسماء أخرى؟
الحمد لله.
أولا:
ورد ذكر اسم (محمد) علمًا على النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات في القرآن الكريم:
ثلاثة منها مقترنة بوصفه بالرسالة.
1- قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)آل عمران/144.
2- قال تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) الأحزاب/40.
3- قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح/29.
وواحدة في ذكر إنزال القرآن عليه.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) محمد/2.
ثانيا:
تكلم العلماء عن الحكمة في ترك النداء باسم النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن، وعامة ما ذكروه يرجع إلى أمرين:
1- تعليم الأمة ألا تنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه مجردًا.
2- تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإجلاله.
وسنذكر طرفًا من نصوصهم.
قال زين الدين الرازي: "فإن قيل: كيف قال تعالي: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) ولم يقل يا محمد ، كما قال تعالى: يا موسى ، ويا عيسى ، ويا داود ونحوه؟
قلنا: إنما عدل عن ندائه باسمه ، إلى ندائه بالنبى والرسول : إجلالًا وتعظيمًا له كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) و (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ)"، انتهى من
"أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل" (ص412).
وقال ابن تيمية: "ومن ذلك: أنه خصه في المخاطبة بما يليق به فقال: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ؛ فنهى أن يقولوا: يا محمد أو يا أحمد أو يا أبا القاسم، ولكن يقولوا: يا رسول الله يا نبي الله.
وكيف لا يخاطبونه بذلك، والله سبحانه وتعالى أكرمه في مخاطبته إياه بما لم يكرم به أحدا من الأنبياء ؛ فلم يدعه باسمه في القرآن قط بل يقول: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ .
مع أنه سبحانه قد قال: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الآية، يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاس يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِك"، انتهى من"الصارم المسلول على شاتم الرسول" (ص422 - 423).
وقال: "وإذا كان في باب العبارة عن النبي صلى الله عليه وسلم : علينا أن نفرق بين مخاطبته وبين الإخبار عنه، فإذا خاطبناه كان علينا أن نتأدب بآداب الله تعالى، حيث قال لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا [النور: 63] فلا نقول: يا محمد، يا أحمد، كما يدعو بعضنا بعضاً بل نقول: يا رسول الله، يا نبي الله.
والله سبحانه وتعالى خاطب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم ، فقال يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة [البقرة: 35]، يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك [هود: 48]، يا موسى * إني أنا ربك [طه: 11-12]، يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي [آل عمران: 55].
ولما خاطبه صلى الله عليه وسلم قال يا أيها النبي [التحريم: 1]، يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر[المائدة: 41]، يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك [المائدة: 67]، يا أيها المزمل [المزمل: 1]، يا أيها المدثر [المدثر: 1]؛ فنحن أحق أن نتأدب في دعائه وخطابه.
وأما إذا كان في مقام الإخبار عنه قلنا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وقلنا: محمد رسول الله وخاتم النبيين؛ فنخبر عنه باسمه كما أخبر الله سبحانه لما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين [الأحزاب: 40]، وقال محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا [الفتح: 29]، وقال وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل [آل عمران: 144]، وقال والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد [محمد: 2] .
فالفرق بين مقام المخاطبة ومقام الإخبار فرق ثابت بالشرع والعقل"، انتهى من "درء تعارض العقل والنقل" (1/ 297 - 298).
وقال الزركشي: "ولم يقع في القرآن النداء بـ "يا محمد" بل بـ يا أيها النبي و يا أيها الرسول: تعظيما له، وتبجيلا، وتخصيصا بذلك عن سواه"، انتهى من "البرهان في علوم القرآن" (2/ 228).
وانظر: "شرح الشفا"، للملا علي القاري(1/80)، "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" (10/ 310-311)، و"أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" (7/652).
وانظر للفائدة، الأجوبة التالية: (139531)، (211853)، (313810).
والله أعلم