عنوان الفتوى : الإكثار من ذكر الله والاستغفار والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ سبب طمأنينة القلب

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قبل ثلاث سنوات شكوت إلى أحد الرجال الصالحين عندنا من كثرة تذبذبي بين أمور الدنيا وعدم اطمئناني على عبادتي كالصوم والصلاة لأني أصوم وأصلي منذ عشر سنوات ومغريات الدنيا كبيرة فقال لي هذا الرجل: اتبع هذه الطريقة لعل قلبك يهدأ، تقول: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه مائة مرة، وتقول: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم مائة مرة، وتقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير مائة مرة. فهل هذا صحيح أم لا؟ وهل هو المقصود بقوله تعالى: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28]؟

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق

ج: لا شك أن الإكثار من ذكر الله والاستغفار والصلاة والسلام على رسول الله من أعظم الأسباب في طمأنينة القلوب وراحتها، وفي السكون إلى الله والأنس به سبحانه، وزوال الوحشة والذبذبة والحيرة، فالذي أوصاك به هذا الرجل قد أحسن في هذه الوصية، لكن ليس للاستغفار حد محدود، ولا للصلاة على النبي ﷺ حد محدود، بل المشروع أن تكثر من الصلاة والسلام على النبي ﷺ، ولا يتعين عدد معين، وتستغفر كثيرًا مائة أو أكثر أو أقل.
أما التحديد بمائة فليس له أصل ولكنك تكثر من الصلاة على النبي ﷺ قائمًا وقاعدًا، في الليل والنهار، وفي الطريق وفي البيت؛ لأن الله جل وعلا قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56] وقال النبي ﷺ: من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا[1] فأكثر من ذلك وأبشر بالخير وليس هناك حد محدود تصلي على النبي ما تيسر عشرًا أو أكثر أو أقل على حسب التيسير من غير تحديد، وهكذا الاستغفار تكثر من الاستغفار لأنك مأمور بهذا قال الله : وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: 199] وقال سبحانه: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود: 3].
فالاستغفار له شأن عظيم وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب[2]. وروي عنه ﷺ أنه قال: من قال حين يأوي إلى فراشه: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفر الله له ذنوبه[3]. فهذا له شأن عظيم فينبغي لك أن تكثر من الاستغفار في جميع الأوقات، وتقول بعد كل صلاة مكتوبة: أستغفر الله ثلاث مرات، من حين تسلم وبعدها تقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. فقد كان النبي يبدأ بهذا حين يسلم عليه الصلاة والسلام في صلواته الخمسز
وتكثر من الصلاة والاستغفار في الليل والنهار، وأول النهار وأول الليل وآخر النهار، كل هذا مطلوب.
أما كلمة لا إله إلا الله فقد جاء فيها الحديث الصحيح: من قالها في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب الله له مائة حسنة ومحى عنه مائة سيئة وكان في حرز من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من عمله[4]. وهذا الحديث مخرج في الصحيحين عن أبي هريرة ، فينبغي المحافظة على هذا كل يوم.
ويشرع أيضًا لكل مسلم ومسلمة الإكثار من قول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم لقول النبي ﷺ: كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم[5] أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وهكذا يستحب للمسلم أن يقول: سبحان الله العظيم وبحمده عدد خلقه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته، ثلاث مرات. فلها شأن عظيم لما ثبت عن النبي ﷺ أنه دخل ذات يوم على زوجته جويرية ضحى وهي في مصلاها بعد الصبح فقال: ما زلت مكانك الذي فارقتك عليه قالت: نعم. قال: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله العظيم وبحمده عدد خلقه سبحان الله رضى نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته[6].
وهكذا سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لها شأن عظيم. قال النبي ﷺ: أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر[7]. وقال عليه الصلاة والسلام: لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلى مما طلعت عليه الشمس[8].
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله[9].
وقال ﷺ لأبي موسى الأشعري : ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله[10].
فينبغي الإكثار من هذه الأذكار التي تطمئن بها القلوب وتستقيم بها الأحوال مع الإكثار من الأعمال الصالحات والتوبة النصوح من جميع السيئات مع تقوى الله والاستقامة على دينه والحذر من المعاصي دائما.
ويشرع لكل مسلم الإكثار من هذه الأذكار ومن الصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، لما في ذلك من الأجر العظيم والعاقبة الحميدة وصلاح القلب وانشراحه وزوال الذبذبة والحيرة؛ لأن الله سبحانه وعد بذلك من استقام على أمره وسارع إلى طاعته وأكثر من ذكره ومن الصلاة والسلام على رسوله عليه الصلاة والسلام.
رزق الله الجميع الاستقامة، وأعاذنا جميعًا من نزغات الشيطان، وهدانا جميعًا لصراطه المستقيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله[11].
--------------------
رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين) برقم (6280)، ومسلم في (الصلاة) برقم (577). رواه أبو داود في (الصلاة) برقم (1297)، وابن ماجه في (الأدب) برقم (3809). رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (10652)، والترمذي في (الدعوات) برقم (3319). رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (7666)، والبخاري في (بدء الخلق) برقم (3050)، ومسلم في (الذكر والدعاء والاستغفار) برقم (4857). رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (6870)، والبخاري في (الدعوات) برقم (5927)، ومسلم في (الذكر والدعاء) برقم (4860) واللفظ له. رواه مسلم في (الذكر والدعاء) برقم (4905)، وأبو داود في (الصلاة) برقم (1285). رواه مسلم في (كتاب الآداب) برقم (3985). رواه مسلم في (الذكر والدعاء) برقم (4861). رواه أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة) برقم (483). رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) برقم (18754 و18758 و18774 و18780 و18818 و18910) ورواه البخاري في (المغازي) برقم (3883)، ومسلم في (الذكر والدعاء) برقم (4873). من برنامج (نور على الدرب)، الشريط رقم (523). (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 11/208).