عنوان الفتوى : مذاهب الفقهاء في الجلوس على القبور
السؤال
في قريتنا يدفنون الموتى فيما يسمى بالنوامة، وهي غرفة صغيرة، يضعون الميت بداخلها، ولا يضعون عليه التراب. ما حكم هذه النوامات؟
وهل تأخذ حكم القبر العادي من حيث الجلوس عليها؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الدفن أن يكون لكل ميت قبر، والسنة أن يكون لحدًا، ولا يجمع بين أكثر من ميت في قبر واحد، ولا سيما إذا اختلف الجنس، إلا عند الضرورة، ومعلوم أن الدفن فيما يعرف بالفساقي- لا يتحقق فيه شيء من هذا، ولذلك منعه جماعة من الفقهاء، لما فيها من هتك حرمة الميت بإدخال موتى آخرين عليه، ولأنها لا تكتم رائحة الميت، لكن إن كان الحفر وإفراد كل ميت بقبر متعذرا، بسبب رخاوة الأرض، وكثرة المياه الجوفية -كما في بعض المدن والقرى المصرية-، أو نحو ذلك: فلا حرج في الدفن في الغرف تحت الأرض، وراجع في بيان ما سبق الفتاوى: 203449، 314677، 402616.
وأما الجلوس على القبر -لغير قضاء الحاجة- فهو ليس بمحرم عند أكثر العلماء، وإنما يكره تنزيها.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: لا خلاف بين الفقهاء في أن الجلوس على القبور إذا كان لبول أو غائط فلا يجوز قولا واحدا. واختلفوا فيما إذا كان لغير ذلك. فقال الحنفية وهو المذهب عندهم، والشافعية والحنابلة إلى أنه يكره الجلوس على القبور، لما روى أبو مرثد الغنوي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر.
قال الحنفية والشافعية: وإن أراد الجلوس أثناء زيارة القبور يجلس بعيدا أو قريبا بحسب مرتبته في حال حياته. وعبارة الشافعية: ينبغي للزائر أن يدنو من القبر بقدر ما كان يدنو من صاحبه في الحياة لو زاره. ويرى الطحاوي من الحنفية، ونسب القول إلى أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد جواز الجلوس على القبر، وهو ما ذهب إليه المالكية أيضا، لما روي أن عليا رضي الله عنه كان يتوسد القبر، ويجلس عليه. قال الطحاوي: وتنتفي الكراهة مطلقا إذا كان الجلوس للقراءة .اهـ.
والمراد بالقبر الذي ينهى عن الجلوس عليه هو ما حاذى الميت أو ما قرب منه جدا، لا كل ما يحيط بالميت، جاء في تحفة المحتاج: (ولا يجلس على القبر) وظاهر أن المراد به محاذي الميت لا ما اعتيد التحويط عليه، فإنه قد يكون غير محاذ له، لا سيما في اللحد، ويحتمل إلحاق ما قرب منه جدا به؛ لأنه يطلق عليه عرفا أنه محاذ له. اهـ. باختصار.
ولم نقف على كلام للفقهاء في الجلوس على بيوت الدفن -الفساقي- بخصوصها، والظاهر أنه لا يختلف عن حكم القبور المعتادة. فيكره الجلوس على ما يحاذي الميت من تلك الفساقي.
والله أعلم.