عنوان الفتوى : كيف أخذ الله الميثاق على عيسى ابن مريم؟
السؤال
(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) {الأعراف:172}، حسب فهمي للآية: أن الله سبحانه وتعالى أخذ من ظهور الذكور من بني آدم، شهادة على أنه لا إله إلا الله، فكيف ينطبق ذلك على سيدنا عيسى حيث إنه لا أب له؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج الحاكم في المستدرك عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- في قوله عز وجل: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {الأعراف:172}.
قال: جمعهم له يومئذ جميعًا ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجعلهم أرواحًا، ثم صوّرهم، واستنطقهم، فتكلموا، وأخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة، إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل، وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون. قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع، والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم، أو تقولوا: إنا كنا عن هذا غافلين، فلا تشركوا بي شيئًا، فإني أرسل إليكم رسلي، يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، فقالوا: نشهد أنك ربنا، وإلهنا لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك. ورفع لهم أبوهم آدم، فنظر إليهم، فرأى فيهم الغني والفقير، وحسن الصورة، وغير ذلك، فقال: رب، لو سويت بين عبادك، فقال: إني أحب أن أشكر. ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج، وخصوا بميثاق آخر بالرسالة والنبوة؛ فذلك قوله عز وجل: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح} [الأحزاب:7] الآية. وهو قوله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} [الروم:30]، وذلك قوله: {هذا نذير من النذر الأولى} [النجم:56]، وقوله: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} [الأعراف:102]، وهو قوله: {ثم بعثنا من بعده رسلًا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات، فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل}. كان في علمه بما أقروا به، من يكذب به ومن يصدق به، فكان روح عيسى من تلك الأرواح التي أخذ عليها الميثاق في زمن آدم، فأرسل ذلك الروح إلى مريم حين {انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا، فاتخذت من دونهم حجابًا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرًا سويًّا} [مريم: 17] إلى قوله: {مقضيًّا} [مريم:21]، فحملته، قال: حملت الذي خاطبها، وهو روح عيسى -عليه السلام-" قال أبو جعفر: فحدثني الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: دخل من فيها. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
فكما خلق الله جل وعلا عيسى من أمّ بلا أب، فأي غرابة في أن يخلق روحه مع الأرواح التي أخذ عليها الميثاق!؟
وراجع للفائدة، الفتوى: 144609.
والله أعلم.