عنوان الفتوى : قالت للخاطب: اقبل ما يطلبه والدي من مؤخر الصداق وأنا مسامحة فيه، فهل سقط عنه؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

تزوجت من امرأة راشدة، بالعشرين من عمرها، فاشترطت أن أوافق على مؤخر الصداق الذي يطلبه وليها، ووعدتني بأنها مسامحة به، لا تريده، فقط أعترف به عند أبيها، فهل لها ذلك؟ وهل أنا في حل منه، أم إنه بعاتقي، وعلي دفعه، مع إنها أصبحت تطالبني به؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله.

أولا:

إذا قالت المرأة للخاطب: اقبل مؤخر الصداق الذي يشترطه الولي وأنا مسامحة فيه لا أريده: فالذي يظهر أن هذا وعد بالهبة، والوفاء بالوعد واجب مطلقا عند بعض أهل العلم، كعمر بن عبد العزيز، وابن شبرمة، والحسن البصري، وابن الأشوع، وسمرة بن جندب، وهو قول بعض الحنفية، وبعض المالكية، ووجه في مذهب أحمد اختاره تقي الدين ابن تيمية.

وهو واجب عند المالكية في مثل الذي حصل منها؛ أي إذا دخل الموعود في كلفة بسبب الوعد.

والمرجّح عندنا الوجوب مطلقا، كما في جواب السؤال رقم: (264311). 

ثانيا:

إن كانت زوجتك أكدت التنازل بعد العقد، فتنازلها معتبر، وليس لها الرجوع ومطالبتك؛ لأن الرجوع في الإبراء محرم.

قال تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) النساء/4

روى البخاري (2589)، ومسلم (1622) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ).

وفي رواية للبخاري (2622) (لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ).

وروى أبو داود (3539)، والترمذي (2132)، والنسائي (3690)، وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".

 قال في "مطالب أولي النهى" (4/ 392): "ومن أبرأ مدينه من دينه: صح، أو وهبه لمدينه: صح، أو أحلّه منه: صح، أو أسقطه عنه: صح؛ لأنه أتى بحقيقة اللفظ الموضوع له.

أو تركه له: صح، أو ملّكه له: صح؛ لأنه بمنزلة هبته إياه، أو تصدق به عليه: صح لورود الإبراء في القرآن بلفظ الصدقة. لقوله تعالى: ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا [النساء: 92] ...

أو عفا عنه: صح ذلك جميعه، وبرئت ذمته؛ لقوله تعالى: إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ؛ يعني به الإبراء من الصداق، وكذا لو قال: أعطيتكه ونحوه، ويكون ذلك إبراء وإسقاطا، ولفظ الهبة والصدقة والعطية ينصرف إلى معنى الإبراء؛ لأنه لا عين موجودة يتناولها اللفظ ...

ويصح الإبراء من الدين بالألفاظ السابقة، ولو كان ذلك قبل حلوله -أي: الدين- أو رَدَّ المدين الإبراء، لأنه لا يفتقر إلى القبول، كالعتق والطلاق، بخلاف هبة العين لأنه تمليك" انتهى.

والحاصل:

أنه سواء كان ما حصل من زوجتك مجرد وعد سابق على العقد، فيلزمها الوفاء بذلك الوعد، لأنه كان السبب في دخولك في هذا الالتزام الذي لم يكن قبل به بدون الوعد. أو كان إبراء لما ثبت لها في ذمتك، بعد العقد ؛ فيلزمها – بكل حال – الوفاء بذلك، وليس لها أن تعود وتطالبك بما أسقطته من حقها، أو وعدتك بإسقاطه.

والله أعلم.