عنوان الفتوى : مصير الكفرة والعصاة من الجن
السؤال
حذرنا الله ورسوله من نار جهنم -الجحيم- للمشركين والكفرة والعاصين -أعاذنا الله منها- ولكن ينتابني سؤال: هل الشياطين والجن متواجدون في جهنم؟ وهل هم مسؤولون عنها مثل ما يصور في الإعلام؟ أم هي عقاب محصور بالبشر؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الجن مكلفون، وعصاتهم متوعدون في الآخرة بدخول النار، كما ثبت ذلك بالنصوص القرآنية الصريحة، وأجمع العلماء عليه.
جاء في كتاب عالم الجن والشياطين للدكتور عمر الأشقر:
خلق الله الجن للغاية نفسها التي خلق الإنس من أجلها: (وما خلقت الجنَّ والإنس إلاَّ ليعبدون) [الذاريات: 56] . فالجن على ذلك مكلفون بأوامر ونواهٍ، فمن أطاع رضي الله عنه، وأدخله الجنة، ومن عصى وتمرد، فله النار، يدلّ على ذلك نصوص كثيرة.
ففي يوم القيامة يقول الله مخاطباً كفرة الجن والإنس موبخاً مبكتاً: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصُّون عليكم آيَاتِي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرَّتهم الحياة الدُّنيا وشهدوا على أنفسهم أنَّهم كانوا كافرين) [الأنعام: 130] .
ففي هذه الآيات دليل على بلوغ شرع الله الجن، وأنه قد جاءهم من ينذرهم ويبلغهم.
والدليل على أنهم سيعذبون في النار قوله تعالى: (قال ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النَّار) [الأعراف: 38] ، وقال: (ولقد ذرأنا لجهنَّم كثيراً من الجن والإنس) [الأعراف: 179] ، وقال: (لأملأنَّ جهنَّم من الجنَّة والنَّاس أجمعين) [السجدة: 13] .
والدليل على أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة قوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنَّتان - فَبِأَيِّ آلاء ربكما تكذبان) [الرحمن: 46-47] . والخطاب هنا للجن والإنس؛ لأن الحديث في مطلع السورة معهما، وفي الآية السابقة امتنان من الله على مؤمني الجن بأنهم سيدخلون الجنة، ولولا أنهم ينالون ذلك لما امتن عليهم به.
يقول ابن مفلح في كتابه الفروع: الجن مكلفون في الجملة إجماعاً، يدخل كافرهم النار إجماعاً، ويدخل مؤمنهم الجنة وفاقاً لمالك والشافعي -رضي الله عنهما- لا أنهم يصيرون تراباً كالبهائم، وإن ثواب مؤمنهم النجاة من النار، خلافاً لأبي حنيفة، والليث بن سعد ومن وافقهم.
*كيف يعذبون بالنار وقد خلقوا من النار
يورد بعض الناس شبهة فيقولون: أنتم تقرون أن الجن خلقوا من نار، ثمّ تقولون: إنّ كافرهم يعذب في نار جهنم، ومسترق السمع منهم يقذف بشهب من نار، فكيف تؤثر النار فيهم وقد خلقوا منها؟
الجواب: أنّ الأصل الذي خلقوا منه النار، أمّا بعد خلقهم فليسوا كذلك، إذ أصبحوا خلقاً مخالفاً للنار، يوضح هذا أن الإنسان خلق من تراب، ثم بعد إيجاده أصبح مخالفاً للتراب، ولو ضربت إنساناً بقطعة مشوية من الطين لقتلته، ولو رميته بالتراب لآذاه، ولو دفنته فيه لاختنق، فمع أنه من تراب إلا أن التراب يؤذيه، فكذلك الجن. اهـ. باختصار.
وأما القائمون على تعذيب أهل النار فيها فهم خزنة جهنم، وليسوا من الجن، بل هم من الملائكة، كما دلت عليها آيات عديدة من القرآن الكريم.
جاء في رسالة (التخويف من النار) لابن رجب: ذكر خزنة جهنم وزبانيتها:
قال الله تعالى: {عليها تسعة عشر * وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا} .
والمشهور بين السلف والخلف، أن الفتنة إنما جاءت من حيث ذكر عدد الملائكة الذين اغتر الكفار بقلتهم، وظنوا أنهم يمكنهم مدافعتهم وممانعتهم، ولم يعلموا أن كل واحد من الملائكة لا يمكن البشر كلهم مقاومته، ولهذا قال الله تعالى: {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا} إلى قوله {وما يعلم جنود ربك إلا هو} .
وقد وصف الله الملائكة الذين على النار، بالغلظ والشدة، قال الله تعالى:{عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}. وقال الله تعالى: {ونادوا يا مالك}.
ومالك هو خازن جهنم، وهو كبير الخزنة ورئيسهم، وقد رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الإسراء، وبدأه مالك بالسلام. خرجه مسلم من حديث أنس. ورآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامه، وهو كريه المرآة ـ أي كرية المنظر ـ كأكره ما أنت راء من الرجال.
وقال الله تعالى: {فليدع ناديه * سندع الزبانية} .
قال أبو هريرة: الزبانية: الملائكة. وقال عطاء: هم الملائكة الغلاظ الشداد. وقال مقاتل: هم خزنة جهنم. اهـ. باختصار.
والله أعلم.