عنوان الفتوى : تيمم المريض مع قدرته على الوضوء وصلاته دون وعي كامل
ابتلاني الله -وله الحمد- بالمرض من صغري؛ لذلك آخذ له مجموعة كبيرة من الأدوية في الصباح والمساء، وهذه الأدوية مخدّرة بمفعول عالٍ، يجعلني بالكاد أتحرك؛ لذلك أصلي الصلوات بتيمم وأنا جالس، ولم يكن الوضع كذلك في ريعان شبابي، ولكن الكبر هيمن عليّ، فهل يستحسن لي أن أجمع صلواتي الخمسة، بعد أن أنال نصيبًا كافيًا من النوم، وحينها أستيقظ نشيطًا، وأدخّن كمية مناسبة، وأشرب بعض القهوة؛ كي أعي ما حولي، ثم أغتسل، فتكون صلواتي تامّات -إن شاء الله-، لكن في غير أوقاتهنّ، وسيكون الأمر أيسر، والخشوع أكبر -إن شاء الله-؟ وذلك يستغرق ما يقارب الساعتين، أي أني لو استيقظت من النوم في وقت صلاة باقٍ عليها نصف ساعة، فلن أدركها إلا بوضع شبه غير وعي، فأنا لا أكاد أفقه ما أقول في صلواتي من إرهاق الأدوية -عافاكم الله- وسؤالي عن الأفضل عند الله، لا عن الأسهل، أفتوني -وفقكم الله، وجزاكم الله خيرًا-.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فإننا أولًا: نسأل الله تعالى لك الشفاء، وجوابنا يتلخص فيما يلي:
1) لا يجوز لك الانتقال من الوضوء إلى التيمم، إلا إذا وجد عذر شرعي يبيح لك التيمم، والأعذار الشرعية باختصار هي: عدم وجود الماء، أو عدم قدرتك على استعماله بسبب مرض تخاف زيادته، أو تأخر برئه، أو عدم وجود من يناولك الماء، إذا كنت عاجزًا بنفسك عن الوصول إليه.
فإذا وجد شيء من هذه الأعذار؛ جاز لك التيمم بدل الوضوء، وإلا لم يجز، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: صلاة الإنسان بالتيمم، مع قدرته على الماء باطلة؛ لأن الله تبارك وتعالى لما ذكر الطهارة بالماء، قال: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ـ يعني عند تعذر الماء، أو تعذر استعماله، فإذا صلى بلا وضوء، ولا تيمم، بطلت صلاته، ولكن إذا كان يشق عليه إحضار الماء، فإنه يحلّ له أن يجمع بين صلاة الظهر والعصر في وضوءٍ واحد، وبين صلاة المغرب والعشاء في وضوءٍ واحد، فيتوضأ وضوءًا واحدًا للظهر والعصر، ووضوءًا واحدًا للمغرب والعشاء، ووضوءًا ثالثًا للفجر، وأما أن يتيمم، وهو قادرٌ على استعمال الماء، ثم يصلي، فصلاته باطلة. اهــ.
2) إذا شق عليك أداء كل صلاة في وقتها بسبب المرض، جاز لك أن تجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، فتتوضأ، وتصليهما تقديمًا أو تأخيرًا، وجاز لك أن تجمع كذلك بين المغرب والعشاء، فتتوضأ، وتصليهما جميعًا تقديمًا أو تأخيرًا، وتصلي الفجر في وقتها؛ إذ لا تُجمع مع ما قبلها، ولا مع ما بعدها.
وأما الجمع للصوات كلها، أو لبعضها، على غير هذا الوجه، فلا يجوز بحال، ومن أخّر صلاة عمدًا حتى خرج وقتها، فعليه ذنب عظيم.
3) وما دمت واجدًا للماء، قادرًا على استعماله، فإنه يلزمك الوضوء، ولو ضاق وقت الصلاة، فتتوضأ، وتصلي، ولو وقعت الصلاة، أو بعضها خارج الوقت، وانظر الفتوى: 148133.
4) لا تصلِّ الصلاة وأنت غير مدرك لما تقول؛ حتى تستفيق، ففي الصحيحين من حديث عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلْيَرْقُدْ؛ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ، لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ.
فإذا ضاق وقت صلاة، وخفت خروجه، فصلِّ، واجتهد في إدراك ما تقوله وتفعله في صلاتك، قال القاضي عياض في كتابه: إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم: والحديث عام في كل صلاة من الفرض والنفل، وحمله مالك على صلاة الليل ... ومن اعتراه ذلك في الفريضة، وكان في الوقت سعة، لزمه أن يفعل مثل ذلك، وينام؛ حتى يتفرغ للصلاة.
وإن ضاق الوقت عن ذلك، صلّى على ما أمكنه، وجاهد نفسه، ودافع النوم عنه جهده، ثم إن تحقق أنه أدّاها، وعقلها، أجزأته، وإلا أعادها. اهــ.
والله تعالى أعلم.