عنوان الفتوى : ما الفرق بين الترعيد والترجيع في تلاوة القرآن الكريم؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما الفرق بين الترعيد والترجيع في التلاوة وما حكمهما؟ ولو أمكن تأكيد ذلك بمثال إلا أن يسبب ذلك مشقة لكم.

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.

أولًا:

الترعيد في القراءة: "أن يأتي بالصوت إذا قرأ مضطربًا، كأنه يرتعد من برد أو ألم، وربما لحق ذلك من يطلب الألحان" انتهى من "الإقناع في القراءات السبع" (277).

وقال السخاوي وهو يذكر شيئًا من بدع القراء: " وابتدعوا أيضًا شيئًا سمَّوه الترعيد، وهو أن يرعد صوته كالذي يرعد من برد وألم، وقد يخلطه بشيء من ألحان الغناء.

وآخر سمَّوه الترقيص، وهو أن يروم السكوت على الساكن، ثم ينفر مع الحركة كأنه في عَدْو، وهرولة.

وآخر يسمى التطريب، وهو أن يترنم بالقرآن ويتنغم به، فيمد في غير مواضع المد، ويزيد في المد على ما ينبغي لأجل التطريب، فيأتي بما لا تجيزه العربية.

ونوع آخر يسمى التحزين، وهو أن يترك طباعه وعادته في التلاوة، فيأتي بالتلاوة على وجه آخر، كأنه حزين يكاد يبكى، مع خشوع وخضوع، ولا يأخذ الشيوخ بذلك لما فيه من الرياء"، انتهى من "جمال القراء وكمال الإقراء" (641-642).

وقد نقل ابن الباذش عن شيخه الأهوازي عدم جواز القراءة بالترعيد، قال ابن البَاذِش: " قال الأهوازي: سمعت جماعة من شيوخي يقولون: لا يجوز للمقرئ أن يقرئ منها بخمسة أضرب: ‌بالترعيد، والترقيص، والتطريب، والتلحين، والتحزين".

انتهى من "الإقناع في القراءات السبع" (276).

وهناك مقاطع صوتية كثيرة في بيان الترعيد يمكن البحث عنها في شبكة المعلومات، ومنها هذا المقطع.

ثانيًا:

وأما الترجيع، فقد ورد في حديث رواه الإمام "مسلم" في "صحيحه" (794) عن عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيَّ يَقُولُ: " قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فِي مَسِيرٍ لَهُ سُورَةَ الْفَتْحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ ‌فَرَجَّعَ ‌فِي ‌قِرَاءَتِهِ".

قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيَّ النَّاسُ لَحَكَيْتُ لَكُمْ قِرَاءَتَهُ".

قال أبو العباس القرطبي: "وقوله: ‌فرجَّع ‌في ‌قراءته؛ أي: ردَّد، وذكره البخاري، وقال في وصفه الترجيع قال: أا أا أا ثلاث مرات. وهذا محمول على إشباع المدّ في موضعه، ويحتمل أن يكون ذلك حكاية صوته، عند هز الراحلة، إذا كان راكبًا من انضغاط صوته، وتقطيعه لأجل هز الركوب"، انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (2/ 424).

وقد قال ابن القيم عن القول الأخير: "وإذا جمعت هذا الحديث إلى قوله: زيِّنوا القرآن بأصواتكم، وقوله: (ليس منَّا من لم يتغنَّ بالقرآن)، وقوله: (ما أذِن اللهُ لشيءٍ كأَذَنِه لنبيٍّ حسَنِ الصَّوت يتغنَّى بالقرآن) علمتَ أنَّ هذا الترجيع منه صلى الله عليه وسلم كان اختيارًا، ‌لا ‌اضطرارًا ‌لهزِّ ‌الناقة ‌له. فإنَّ هذا لو كان لأجل هزِّ الناقة، لما كان داخلًا تحت الاختيار، فلم يكن عبد الله بن مغفَّل يحكيه ويفعله اختيارًا لِيُتأسَّى، وهو يرى هزَّ الراحلة له حتى ينقطع صوته، ثم يقول: "كان يرجِّع في قراءته"، فنسَب الترجيع إلى فعله، ولو كان من هزّ الراحلة لم يكن منه فعلٌ يسمّى ترجيعًا"، انتهى من "زاد المعاد في هدي خير العباد" (1/ 615 - 616).

وقد فصلنا الكلام حوله في الجواب رقم: (139978).

وانظر هذا الشرح المصور له.

ثالثًا:

ولعل الفصل بين الترعيد والترقيص والترجيع:

1- أن الترجيع الوارد لو كان المراد به الاضطراب والاهتزاز في المد الاضطراري لا الاختياري، فهو معفو عنه.

قال الإمام "ابن كثير": "وأما ‌الترجيع: فهو الترديد في الصوت كما جاء - أيضًا - في البخاري أنه جعل يقول: (آآ آ)، وكان ذلك صدر من حركة الدابة تحته، فدل على جواز التلاوة عليها، وإن أفضى إلى ذلك ولا يكون ذلك من باب الزيادة في الحروف، بل ذلك مغتفر للحاجة، كما يصلي على الدابة حيث توجهت به، مع إمكان تأخير ذلك الصلاة إلى القبلة، والله أعلم".

انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/ 79).

وأما إن كان اختياريًّا،  فهو محمول على القراءة اللينة غير المتكلفة، وغير الخارجة عن حد التجويد، ويكون معناه حينئذٍ: إشباع المد.

قال أبو العباس القرطبي: "وهذا محمول على إشباع المدّ في موضعه".

انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (2/424).

وقال: "فأما قوله: يتغنى بالقرآن، فتمسك به من يجوّز القرآن بالألحان، وهو أبو حنيفة وجماعة من السلف، وقال به الشافعي في التحزين، وكرهه مالك وأكثر العلماء، ولا أشك أن موضع الخلاف في هذه المسألة إنما هو: إذا لم يغيّر لفظ القرآن بزيادة أو نقصان، أو يبهم معناه بترديد الأصوات، فلا يُفهم معنى القرآن، فإن هذا مما لا شك في تحريمه.

فأما إذا سلم من ذلك، وحُذيَ به حذوُ أساليب الغناء والتطريب والتحزين فقط، فقد قال مالك: ينبغي أن ننَزِّه أذكار الله، وقراءة القرآن عن التشبه بأحوال المجون والباطل؛ فإنها حق وَجِد وصِدْق. والغناء: هزل ولهو ولعب.

وهذا الذي قاله مالك وجمهور العلماء هو الصحيح؛ بدليل ما ذُكِر، وبأدلة أُخَرى، منها: أن كيفية قراءة القرآن قد بلغتنا متواترة عن كافة المشايخ، جيلا فجيلا إلى العصر الكريم؛ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليس فيها تلحين ولا تطريب، مع كثرة المتعمِّقين والمتنطِّعين في مخارج الحروف، وفي المدِّ، والإدغام، والإظهار، وغير ذلك من كيفية القراءات، وهذا قاطع.

ومنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال: لست من ددٍ ولا الدَّدُ مني، والدَّدُ: هو اللعب، واللهو، ومعنى ذلك: أن اللعب لا يليق بأحواله، فكيف بقرآنه وقراءته؟!

ومنها: أنّ التطريب والترجيع يؤدي إلى الزيادة في القرآن، والنقص منه، وهما ممنوعان، فالمؤدِّي إليهما ممنوع؛ وبيانه: أن التطريب، والتلحين يحتاج من ضروراته أن يمد في غير موضع المدّ، وينقص؛ مراعاة للوزن؛ كما هو معلوم عند أهله.

ومنها: أنه يؤدي إلى تشبيه القرآن بالشعر، وقد نزهه الله عن الشعر وأحواله، حيث قال تعالى: إِنَّهُ لَقَولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَولِ شَاعِرٍ.

وقد تأوّل من منع من تلحين القرآن، قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يتغنى به)، وقوله: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن)؛ على تأويلات:

أحدها: أن معناه أنه يستغني به، يقال: تغنّيت، وتغانيت، بمعنى: استغنيت، قاله سفيان.

وثانيها: أن معناه يجعله مكان الغناء، وبدلا منه، فيستديم تلاوته، ويستطيبه كما يستطيب الغناء.

وثالثها: أن معناه: يجهر به. كما فسّره الصحابي راوي الحديث، وهذا أشبه؛ لأن العرب تسمي كل من رفع صوته ووالى به: غانيًا، وفعله ذلك: غناء، وإن لم يلحنه تلحين الغناء، وعلى هذا فسّره الصحابي، وهو أعلم بالمقال، وأقصد بالحال. والله تعالى أعلم".

انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (2/ 421-423).

والله أعلم.