عنوان الفتوى : سبب عدم تضمن القرآن لجميع الغيوب
إذا كان القرآن الكريم مكتوبًا في اللوح المحفوظ، فكيف تنزل الآيات على الرسول صلى الله عليه وسلم، ردًّا على أحداث الأرض البشرية؟ فمثلًا: أسباب نزول بعض الآيات عن أحدث حصلت في المستقبل، والقرآن مكتوب منذ الأزل في اللوح المحفوظ. الرجاء الإجابة استنادًا إلى مصدر، علمًا أني مسلمة -والحمد لله-.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأسلوب السؤال غير واضح كل الوضوح.
وبكل حال؛ فإن كان مرادك السؤال عن سبب نزول آيات موافقة لما حدث، مع كون القرآن مكتوبًا في اللوح المحفوظ؟
فهذا لأن الله تعالى عالم بكل شيء، فهو سبحانه علم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، كما قال تعالى: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {البقرة:282}.
وهذا المعنى لا يخفى على من طالع القرآن، ولكون الله تعالى عالمًا بالمغيبات، فإنه علم أزلًا ما سيحدث، وأنه سيُنزل فيه قرآنًا، وكتب هذا القرآن المنزل في اللوح المحفوظ.
وأما إن كان مرادك السؤال عن كون القرآن، لم يتضمن ذكر المغيبات، فقد وقع في القرآن العزيز إخبار بجملة من المغيبات، فوقعت كما أخبر، وهذا كافٍ في الدلالة على أنه من عند الله تعالى؛ لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب.
ومن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ وهو بمكة مستضعف مضطهد في أصحابه: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ {القمر:45}، ووقع مصداق ذلك بعدها بسنين في يوم بدر.
ومنها: ما أخبر الله به من انتصار الروم على الفرس، كما قال تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ {الروم:2-4}.
ومنها: إخباره بتمكين الله للمؤمنين، وفتح الأرض لهم، واستخلافهم فيها، كما قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا {النور:55}، ونظائر هذا كثيرة، وفيما ذكرنا كفاية، وليس من الضروري، ولا من المنطقي أن يخبر الله بجميع الغيوب، التي ستقع على الأرض؛ فإن هذا طلب للمحال.
وكون القرآن من عند الله، وكونه أعظم معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم، مما لا يرتاب فيه ذو عقل، فضلًا عن ذي دِين، ولتنظر لزامًا الفتوى: 173259.
والله أعلم.