عنوان الفتوى : عمل مجسمات كرتونية من عجينة السكر على هيئة صور ذوات الأرواح
ما حكم عمل مجسمات من عجينة السكر التي توضع على الكيك (قد تؤكل، أو ترمى، أو تبقى للذكرى) كأشكال حيوانات كرتونية، أو شكل طفل كرتوني دون أصابع، أو عينه غير واضحة؟ جزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن عمل مجسمات الحلوى على هيئة صور ذوات الأرواح، لا يجوز -فيما نرى- إلا إن كانت مصنوعة للأطفال، أو كانت الصورة غير تامة الخلقة، ودونك بيان ذلك:
اختلف العلماء في صنع الحلوى، ونحوها مما يسرع إليه الفساد، على شكل حيوانات تامة الخلقة، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: صناعة الصور من الطين، والحلوى، وما يسرع إليه الفساد:
للمالكية قولان في صناعة الصور التي لا تتخذ للإبقاء، كالتي تعمل من العجين، وأشهر القولين: المنع. وكذا نقلهما العدوي.
وقال: إن القول بالجواز هو لأصبغ. ومثل له بما يصنع من عجين، أو قشر بطيخ؛ لأنه إذا نشف تقطع.
وعند الشافعية: يحرم صنعها. اهـ.
جاء في حاشية الشرواني - في سياق ما يحرم بيعه-: (قوله: وصورة حيوان) وفي العلقمي على الجامع ما نصه: قال النووي: قال العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد الحرمة، وهي من الكبائر، سواء صنعه لما يمتهن، أم لغيره، فصنعته حرام مطلقًا بكل حال، وسواء كان في ثوب، أو بساط، أو درهم، أو دينار، أو فلس، أو إناء، أو حائط، أو غيرها. فأما تصوير ما ليس فيه صورة حيوان مثلًا، فليس بحرام. انتهى. وعموم قوله: أم لغيره يفيد خلاف ما نقل عن البلقيني من أن الصور التي تتخذ من الحلوى لترويجها لا يحرم بيعها، ولا فعلها. اهـ. ويوافق ما في العلقمي من الحرمة مطلقًا ما كتبه الشيخ عميرة بهامش المحلي من قوله: ثم لا يخفى أن من الصور ما يجعل من الحلوى بمصر على صورة الحيوان، وعمت البلوى ببيع ذلك، وهو باطل. اهـ. الشبراملسي. اهـ.
وأما الصور ناقصة خلقة ما لا تتم الحياة إلا به - كأن كانت صورة بلا رأس، أو صدر-، فقد ذهب إلى إباحتها كثير من أهل العلم، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: المالكية لا يرون تحريم تصوير الإنسان، أو الحيوان - سواء أكانت الصورة تمثالًا مجسمًا، أو صورة مسطحة- إن كانت ناقصة عضو من الأعضاء الظاهرة، مما لا يعيش الحيوان بدونه، كما لو كان مقطوع الرأس، أو كان مخروق البطن، أو الصدر. كذلك يقول الحنابلة.
وهذا مذهب الشافعية أيضًا، ولم ينقل بينهم في ذلك خلاف، إلا ما شذ به المتولي، غير أنهم اختلفوا فيما إذا كان المقطوع غير الرأس، وقد بقي الرأس. والراجح عندهم في هذه الحالة التحريم، وظاهر ما في تحفة المحتاج جوازه، فإنه قال: وكفقد الرأس، فقد ما لا حياة بدونه. اهـ. باختصار.
فمجرد كون العين غير واضحة، أو كون الصورة دون أصابع، لا يخرج الصورة عن التحريم.
والصور الكرتونية وإن كانت خيالية لا وجود لها في الواقع، فهي محرمة، ما دامت تامة الخلقة، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ينص الشافعية على أن الصور الخيالية للإنسان، أو الحيوان، داخلة في التحريم، قالوا: يحرم، كإنسان له جناح، أو بقر له منقار، مما ليس له نظير في المخلوقات. وكلام صاحب روض الطالب يوحي بوجود قول بالجواز. وواضح أن هذا في غير اللعب التي للأطفال، وقد ورد في حديث عائشة -رضي الله عنها-: أنه كان في لعبها فرس له جناحان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك لما رآها حتى بدت نواجذه. اهـ.
وفي خاتمة هذا النقل إشارة إلى مسألة لعب الأطفال: وأكثر العلماء على الترخيص للصغار في اللعب بالصور ذوات الأرواح -ولو كانت تامة الخلقة-، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: استعمال لعب الأطفال المجسمة، وغير المجسمة:
قول الجمهور: جواز صناعة اللعب المذكورة. فاستعمالها جائز من باب أولى، ونقل القاضي عياض جوازه عن العلماء، وتابعه النووي في شرح صحيح مسلم، قال: قال القاضي: يرخص لصغار البنات.
والمراد بصغار البنات من كان غير بالغ منهن. وقال الخطابي: وإنما أرخص لعائشة فيها؛ لأنها إذ ذاك كانت غير بالغ.
قال ابن حجر: وفي الجزم به نظر، لكنه محتمل؛ لأن عائشة -رضي الله عنها- كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة، وأما في غزوة تبوك، فكانت قد بلغت قطعًا. فهذا يدل على أن الترخيص ليس قاصرًا على من دون البلوغ منهن، بل يتعدى إلى مرحلة ما بعد البلوغ، ما دامت الحاجة قائمة لذلك.
والعلة في هذا الترخيص تدريبهن عن شأن تربية الأولاد، وتقدم النقل عن الحليمي: أن من العلة أيضًا استئناس الصبيان وفرحهم، وأن ذلك يحصل لهم به النشاط، والقوة، والفرح، وحسن النشوء، ومزيد التعلم.
فعلى هذا؛ لا يكون الأمر قاصرًا على الإناث من الصغار، بل يتعداه إلى الذكور منهم أيضًا.
وممن صرح به أبو يوسف: ففي القنية عنه: يجوز بيع اللعبة، وأن يلعب بها الصبيان.
ومما يؤكد جواز اللعب المصورة للصبيان -بالإضافة إلى البنات- ما ثبت في الصحيحين عن الربيع بنت معوذ الأنصارية -رضي الله عنها- أنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائمًا، فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرًا، فليتم بقية يومه. فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوم صبياننا الصغار منهم -إن شاء الله-، ونذهب بهم إلى المسجد، فنجعل - وفي رواية: فنصنع- لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام، أعطيناه إياه حتى يكون عند الإفطار.
وانفرد الحنابلة باشتراط أن تكون اللعبة المصورة بلا رأس، أو مقطوعة الرأس، ومرادهم أنه لو كان الباقي الرأس، أو كان الرأس منفصلًا عن الجسد جاز. اهـ.
والله أعلم.