عنوان الفتوى : الله سبحانه بقدرته يحمل العرشَ وحَمَلَتَه
أنا الآن في مشكلة خطيرة، أود أن أحكيها بالتفصيل، وهي أنه لا يوجد لدينا في القرية شيوخ موثوقون، وعندما أذهب لصلاة الجماعة يكون أغلب كلامهم غير صحيح، وفيه بدع، وبعض كلامهم أشك في صحته، فقررت أنه عندما أذهب لصلاة الجمعة لا آخذ بذلك الكلام الذي يقولونه، وقررت أن آخذ العلم الشرعى من موقعكم، ومن على الإنترنت، وفيديوهات لبعض الشيوخ على اليوتيوب؛ لكي أكون في النهاية عالما، وعندما أذهب للمسجد أعلم كل كلمة يقولها الشيخ أهي صحيحة أم خطأ، لكني وجدت عقبة وهي أنه -على ما أعلم -يجب توصيل ذلك العلم للناس، ولكن المشكلة أنه عندما أقرأ كتابا، أو أسمع فيديو، أو أقرأ كلمة من علمكم، فإني أبحث عن معناها، ولكني أتعب في ذلك، وأشعر بمشقة بالغة، فضلا عن أني لا أنام إلا خمس ساعات؛ لكي أفرغ نفسي لذلك العلم، وأحيانا لا أدري هل معاني الكلمات التي أتيت بها صحيحة أم لا؟ وعندما دخلت في باب الأسماء والصفات لله -عز وجل- وجدت هنا في مصر وخاصة الأزهر وعلماءهم كلامهم مخالفا لما أسمعه من موقعكم والشيوخ الموثوقين كابن العثيمين مثلا مما جعل الحيرة تنتابني، ولكني بحثت وعانيت من البحث إلى أن وجدت أن الكلام الحق هو إثبات صفات الله عز وجل، لكن هناك مسائل توقفت فيها لعدم وجود أدلة من القرآن والسنة ومن العلماء، وهي مسألة هل العرش يحمل الله أم لا؟ ومسألة هل الرداء والإزار من صفات الله أم لا؟ وغيرها من المسائل، وقلت في هذه المسائل إبراء لذمتي أن الجوب على هذه الأسئلة هو سورة الإخلاص، وأن الله -عز وجل- له صفات الكمال، وإن كانت تلك الصفات نقصا، فإن الله منزه عنها بلا شك؛ لأنه ليس كمثله شيء، كذلك قلت في باقي الصفات التي هي غير موجودة في الكتاب ولا السنة. فتراجعت عن ذلك، وقررت أن لا أتعلم العلم الشرعي لعدم وجود شيوخ موثوقين في البلد، وعدم وجود الوسائل المتاحة، وذلك خوفا من أقول على الله ما لا أعلم، وقررت أنه عند صلاة الجمعة لا أثبت صحة كلام الشيخ، ولا أنفي إلا الذي أعلم أنه أخطأ فيه، وابتدع فيه، وكل ذلك خوفا من الله -عز وجل- وإبراء لذمتي. أرجو منكم حلا لمشاكلي، وهل أنا على صواب أم لا؟ فإني أخاف الله -عز وجل- وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فننبهك أولا إلى بعض ما ذكرته من أمور العقيدة، فأما حديث: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري... فشرحه مستوفى في الفتوى: 383803.
وأما ما يتعلق بالعرش، فالله مستو عليه استواء يليق بجلاله، وهو سبحانه غني عن العرش وعن كل ما سواه، فالعرش محمول بقدرة الله، قال شيخ الإسلام في الجواب الصحيح: فإذا كان العبد فقيرا إلى ما استوى عليه، يحتاج إلى حمله. وكان الرب - عز وجل - غنيا عن كل ما سواه، والعرش وما سواه فقيرا إليه، وهو الذي يحمل العرش وحملة العرش، لم يلزم إذا كان الفقير محتاجا إلى ما استوى عليه أن يكون الغني عن كل شيء وكل شيء محتاج إليه - محتاجا إلى ما استوى عليه. وليس في ظاهر كلام الله - عز وجل - ما يدل على ما يختص به المخلوق من حاجة إلى حامل وغير ذلك، بل توهم هذا من سوء الفهم، لا من دلالة اللفظ. اهـ.
وقال في موضع آخر - كما في الفتاوى - : الله تعالى غنيٌّ عن كلّ شيء، لا يفتقر إلى العرش ولا إلى غيره من المخلوقات، بل هو بقدرته يحمل العرشَ وحَمَلَتَه، وكذلك هو العليّ الأعلى الكبير العظيم الذي لا تُدركه الأبصارُ وهو يدرك الأبصارَ، وهو سبحانه أكبر من كل شيءٍ. اهـ. وانظر لمزيد الفائدة الفتوى: 41473.
وعليك أن تطلب العلم حسب طاقتك، وتجتهد في تحصيله من مظانه، فتقرأ ما يتعين عليك تعلمه من العقيدة الواجبة، وما يجب تعلمه على الفور من أحكام الفقه؛ كالطهارة والصلاة والصيام، وإن كان لك مال فعليك أن تتعلم أحكام الزكاة، وإن كنت تبيع وتشتري فعليك أن تتعلم أحكام البيع وهكذا، ولا يجوز لك التقصير في طلب العلم بحال، وانظر الفتوى: 170405.
والعلماء وطلبة العلم الجيدون منتشرون بحمد الله في كل مكان، وهم متوفرون في بلدك بلا شك، ولكن عليك أن تبذل وسعك في البحث عمن ينتسب إلى السنة من طلبة العلم والمشايخ، وتلزمه لتنتفع به، وفي الأزهر وعلمائه خير كثير، فاستفد من كل من عرف بالعلم والعقيدة الصحيحة وانتسب إليه، وإن بدا لك خطأ فإن الخطأ لا يكاد يسلم منه أحد فاجتنبه وخذ ما تعرف من الصواب، وقد قال معاذ رضي الله عنه: إن الحكمة والإيمان مكانهما فمن ابتغاهما وجدهما.
فإياك والتقصير في طلب العلم وتحصيله، فإنما تنال النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة بتعلم العلم النافع، واستعن بالمواقع الموثوقة والكتب النافعة السهلة الأسلوب للعلماء الموثوقين؛ ككتب وتصانيف العلامة ابن عثيمين رحمه الله، وادع إلى الله، وعلم الناس ما تتعلمه بحسب طاقتك وجهدك، واستعن بالله واجتهد في دعائه أن يرزقك العلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.