عنوان الفتوى : كيف تحدى الله الجن أن يأتوا بمثل القرآن وفيه أقوالهم؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

حينما ذكر القرآن أنّ الإنس والجنّ لا يمكن أن يأتوا بشيء مثل القرآن حتى بثلاث آيات: ما هو تفسير سورة الجنّ التي ذكرت الجنّ في خمسة عشر آية؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله.

القرآن كلام الله، قاله سبحانه بحروفه ومعانيه، كما قال سبحانه وتعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ) التوبة/6.

وفي القرآن أقوال لأقوام ذكرها الله عز وجل عنهم، منهم المؤمنون كالأنبياء والصديقين، ومنهم الكافرون، كفرعون وقارون، ومنهم المنافقون، ومنهم الملائكة، ومنهم الجن، ومنهم الطير كالهدهد، ومنهم النمل، وغير ذلك .

والقصد من ذكر هذه الأقوال هو حكاية المعنى وليس اللفظ بعينه، وقد يكون المنقول هو عين اللفظ، وقد يكون المنقول حكاية المعنى إذا امتنع أن يكون هذا عين اللفظ، كأن يكون المتكلم بغير لغة العرب، وقد نص على ذلك غير واحد من أهل العلم:

قال زين الدين الرازي الحنفي في "أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل" (ص144) :" فإن قيل: كيف قال الله تعالى هنا حكاية عن السحرة الذين آمنوا وعن فرعون: (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) إلى قول تعالى: (وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ)، ثم حكى عنهم هذا المعنى في سورة طه وسورة الشعراء بزيادة ونقصان في الألفاظ المنسوبة إليهم، وهذه الواقعة ما وقعت إلا مرة واحدة، فكيف اختلفت عبارتهم فيها؟

قلنا: الجواب عنه أنهم إنما تكلموا بذاك بلغتهم، لا باللغة العربية، وحكى الله تعالى ذلك عنهم باللغة العربية مراراً، لحكمة اقتضت التكرار والإعادة، نبينها في سورة الشعراء إن شاء الله تعالى، فمرة حكاه مطابقاً للفظهم في الترجمة، رعاية للفظ، وبعد ذلك حكاه بالمعنى، جرياً على عادة العرب في التفنن في الكلام، والمخالفة بين أساليبه ؛ لئلا يُمَلَّ إذا تمحض تكراره ". انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "التسعينية" (2/464) :" إن الحروف والأصوات التي سمعها موسى عبرية، والتي ذكرها الله عنه في القرآن عربية، فلو لم يكن الكلام إلّا مجرد الحروف والأصوات، لم يكن بين الكلام الذي سمعه موسى، والذي ذكره الله أنه سمعه : قدر مشترك أصلًا، بل كان يكون الإخبار بأنه سمع هذه الأصوات التي لم يسمعها : كذب .

وكذلك سائر من حكى الله في القرآن أنه قال من الأمم المتقدمة الذين تكلموا بغير العربية، فإنما تكلموا بلغتهم، وقد حكى الله ذلك باللغة التي أنزل بها القرآن، وهي العربية، وكلام الله صدق، فلو كان قولهم: مجرد الحروف والأصوات، والحروف والأصوات التي قالوها ليست مثل هذه = لم تمكن الحكاية عنهم مطلقًا، بل كلامهم كان حروفًا ومعاني، فحكى الله ذلك عنهم بلغة أخرى، والحروف تابعة للمعاني، والمعاني هي المقصود الأعظم، كما يترجم كلام سائر المخلوقين"، انتهى.

وقال الطاهر: ومعنى القول هنا: إبلاغ مرادهم إلى من يريدون أن يبلغوه إليهم من نوعهم، بالكيفية التي يتفاهمون بها، التحرير والتنوير (29/ 220).

وقال: هذا محكي عن كلام الجن، التحرير والتنوير (29/ 222).

وانظر الجواب رقم: (256142 ).

وحاصل الجواب:

أن ما ذكره هذا المعترض الجاهل، إنما يدل على جهله، وضيق عطنه، وسوء فهمه.

ولو كانت حكاية الله جل جلاله لكلام الجن، أو الإنس، مؤمنهم، أو كافرهم، في كتابه، يعني: أن من حكى الله عنهم قال "قرآنا" ، لكان ذلك أن كل هؤلاء البشر، والإنس والجن: قد أتوا بقرآن من عندهم ، ثم إن الله نقل عنهم هذا القرآن في "قرأنه" ؛ ثم تحداهم أن يأتوا بمثله .

وهذا لا يكون من أضعف الناس عقلا؛ وإنما يتصوره، ويستشكله: من كان جاهلا، لا يعرف مواضع الحجة، وجهات الكلام.

والعجب: أن يصدق أحد من الناس مثل هذا الهراء، ويضطربون لأجله، ويظنونه إشكالا حقيقيا!!