عنوان الفتوى : تعليل صلاة الصحابة على النبي فرادى بدون إمام
سمعت خطبة للشيخ محمد حسان، عن وفاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ذكر فيها من وصايا رسول الله عند موته أنه قال: ولا تصلوا علي بإمام؛ لأن رسول الله هو سيد الأئمة. وروي أيضا أنه صلى الله عليه وسلم في مرضه، صلى مقتديا بأبي بكر الصديق. كيف نوفق بين الفعلين أنه طلب ألا يصلوا عليه بإمام في صلاة الجنازة؛ لأنه سيد الأئمة، وأنه صلى مقتديا بأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في حياته؟ وشكرا مقدما.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صلى الصحابة -رضي الله عنهم- على النبي صلى الله عليه وسلم في حجرته الشريفة فرادى، ولم يؤمهم أحد، وانظر الفتوى رقم: 375952.
وهذا الحديث الذي ذكرته لم نجده بهذا اللفظ، لكن روى البيهقي والبزار من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة عليه فرادى. وهذا الحديث لا يصح، تفرد به سلام الطويل، وهو متفق على ضعفه، كذبه بعض الأئمة، وتركه آخرون؛ كما قال الحافظ ابن كثير في البداية.
وقد اختلف العلماء في المعنى الذي لأجله لم يصل الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم في جماعة.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وَهَذَا الصَّنِيعُ، وَهُوَ صَلَاتُهُمْ عَلَيْهِ فُرَادَى لَمْ يَؤُمَّهُمْ أَحَدٌ عَلَيْهِ، أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ; فَلَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، لَكَانَ نَصًّا فِي ذَلِكَ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ الَّذِي يَعْسُرُ تَعَقُّلِ مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُمْ إِنَّمَا صَلَّوْا عَلَيْهِ كَذَلِكَ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ. لِأَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ إِنَّمَا شَرَعُوا فِي تَجْهِيزِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بَعْدَ تَمَامِ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ- وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّمَا لَمْ يَؤُمَّهُمْ أَحَدٌ; لِيُبَاشِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَلِتُكَرَّرَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، مِنْ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْ آحَادِ الصَّحَابَةِ، رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ حَتَّى الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ.
وَأَمَّا السُّهَيْلِيُّ فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ; فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُبَاشِرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَنَا فِي ذَلِكَ أَئِمَّةٌ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى.
وإذا علمت ما مرَّ، وأن الحديث المذكور ليس ثابتا أصلا، فلا إشكال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر. وقد ثبت كذلك في الصحيحين صلاته خلف عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وذلك أن إمامة المفضول للفاضل، جائزة صحيحة، كما دلت عليه هذه الأحاديث، ودل عليه كذلك حديث سهل بن سعد في الصحيح حين أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم أبو بكر فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يثبت مكانه، لكنه رجع، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم في قصة مشهورة.
قال ابن حجر في فوائدها: وفيه جواز إمامة المفضول للفاضل. انتهى.
والله أعلم.