عنوان الفتوى : مسائل حول إفرازات المرأة وما يترتب عليها
سؤالي بشأن الإفرازات الطبيعية للمرأة. عرفت أن جماهير العلماء يرون أنها ناقضة للوضوء، لكني كنت أتوضأ من الإفرازات المخاطية فقط، التي تكون شفافة، ولزجة، أو صفراء، أما ما أجده عند المسح بمنديل من بلل، كالعرق، فكنت لا أعتبره ناقضًا، فأصلي، ولا أتوضأ منه، ثم قررت أن أبحث عن تعريف الرطوبة؛ فوجدته عبارة عن ماء أبيض، متردد بين العرق والمذي، وأنها لا تنقض الوضوء إلا إذا تيقنت أنها خرجت من داخل الفرج، لا من ظاهره، فكنت أعتبره عرقًا من ظاهر الفرج؛ لأني لم أتيقن خروجه من الداخل، وبعد ذلك لاحظت عندما أنظف الفرج من الداخل، أنني أبقى جافة من هذا البلل الذي يشبه العرق، فاكتشفت أن هذا البلل يخرج من الداخل؛ فأصبحت أتوضأ من أي بلل خفيف، فهل ما أفعله صحيح؟ أشعر بالمشقة الشديدة، خصوصًا إذا كنت خارج البيت؛ لأن هذا البلل مستمر تقريبًا، وأنا أراه شيئًا طبيعيًّا، فلا يمكن أن يجف الفرج من هذا البلل، كحال الفم والأنف، فهما رطبان دائمًا، ولا أرى أن هذا البلل يمكن أن يقاس على سلس البول، وغيره. أشعر بالمشقة الشديدة، ليس فقط بسبب الوضوء لكل فرض، بل حتى الفرض الواحد يتعبني، إذا احتجت لعمل أي شيء يفصل بين الوضوء والصلاة، فدائمًا أنا ملزمة أن أصلي مباشرة بعد الوضوء؛ خوفًا من أن ينتقض وضوئي. أنا أم، ومسؤولة عن بيت، وزوج، وأولاد، وأحيانًا أنتهي من الوضوء ويكلمني زوجي، أو يتصل، أو يطرق باب البيت، وأو يطلب مني طفلي أن أدخله دورة المياه، وأحيانًا أحتاج أن أتفقد الطبخة فوق النار، ونحو ذلك، فهل يعقل أن تكون كل نساء الأرض ملزمات بالوضوء لكل صلاة، فأنا لا أتصور وجود من تجف جفافًا تمامًا من بلل الفرج؟ سؤالي الآن بالتحديد هو: هل البلل اليسير يعد من الرطوبة الناقضة؟ أم إن الذي ينقض فقط هو الإفرازات اللزجة المخاطية التي فيها لمعان؛ فالاحتراز منها أسهل، فهي تخرج في أوقات متباعدة، أما البلل فهو يخرج على الدوام، وهل يعد تنظيف الفرج من الداخل بمنديل جائزًا، إذا كان ذلك يبقيني جافة؛ لأجل أن أبقى على وضوء، خصوصًا عند خروجي من البيت، ووجود المشقة في الوضوء خارج البيت؟ أرجو منكم الاهتمام بتفاصيل سؤالي. والإجابة عنها دون الإحالة إلى أسئلة أخرى؛ فقد أتعبني هذا الموضوع كثيرًا -جعل الله ما تقومون به في ميزان حسناتكم، وجزاكم الله خيرًا-.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فها هنا أمور بها يتضح جواب سؤالك، ويرتفع عنك الحرج.
أولًا: رطوبة الفرج طاهرة، فلا توجب الاستنجاء، ولكنها ناقضة للوضوء في قول عامة العلماء، ولا ينقض الوضوء إلا ما تحقق خروجه من باطن الفرج.
وأما ما كان ناشئًا من ظاهر الفرج، كالعرق، ونحوه، فلا يبطل الوضوء، وانظري الفتوى رقم: 110928.
ثانيًا: عند الشك في انتقاض الوضوء، فالأصل عدم انتقاضه.
فإذا شككت هل ما ترينه خارج من باطن الفرج أو لا؟ فالأصل صحة وضوئك، ومن ثم؛ فلا يلزمك إعادته.
ثالثًا: أيًّا كانت صفة تلك الرطوبة؛ فإنها متى خرجت من باطن الفرج، كانت ناقضة للوضوء.
ولكن من كانت مصابة بدوام خروج هذه الرطوبة، فحكمها حكم صاحب السلس، فتتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، وتصلي ما شاءت من الفروض والنوافل حتى يخرج ذلك الوقت.
ولا يلزمها أن تصلي بعد الوضوء مباشرة، بل لها أن تصلي متى توضأت في الوقت في أي جزء من أجزائه، ولا تبطل طهارتها إلا بخروج الوقت، وهذا مذهب الحنابلة، والحنفية.
رابعًا: من شق عليها العمل بهذا القول، فلها سعة في العمل بقول المالكية من كون الحدث الدائم لا ينقض الوضوء، وهو قول قويّ، لا حرج على من أخذ به، كما ذكرنا ذلك في الفتوى رقم: 141250.
خامسًا: لا يجب، ولا يشرع غسل باطن الفرج، ولا يجب غسل تلك الرطوبات أصلًا؛ لأنها طاهرة، ولكن -كما ذكرنا- متى وجدتها وتيقنت أنها خارجة من باطن الفرج؛ فتوضئي، وصلي.
وإن كانت دائمة؛ فتوضئي بعد دخول الوقت، وصلي في الوقت متى شئت.
وإن شق عليك، فلك الأخذ بمذهب المالكية -كما بينا-.
وبهذا التقرير والبيان، يزول عنك الإشكال، ويرتفع الحرج -بإذن الله تعالى-.
والله أعلم.