عنوان الفتوى : ما صحة ما ورد عن ابن عباس في تفسير آية الجلباب؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قرأت من يضعف رواية ابن عباس رضي الله عنه في آية الجلباب سواء من جهة أبي طلحة أو غيره، وقال: بأن ابن أبي طلحة لم يلحق على ابن عباس رضي الله عنه، وتم قدح ابن أبي طلحة من الإمام أحمد وابن تيمية، وابن القيم رحمهم الله تعالى، وكذالك استدل بسند صحيح على ما يزعم بأن آية الجلباب ليست تغطية وجه بسند صحيح، أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن قتادة، قال في تفسير (الإدناء):" أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يُقَنِّعن على الحواجب"، وقتادة من تلامذة مجاهد. السؤال: ما هو تفسير آية الجلباب، والرد على المخالف؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.

ساق أهل التفسير الاختلاف في تفسير قول الله تعالى:

(يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب/59.

وساقوا أن ابن عباس رضي الله عنه روي عنه: أن المراد بها ستر الوجه كله؛ إلا عينا واحدة لأجل الرؤية.

قال الطبري رحمه الله تعالى:

" ثم اختلف أهل التأويل في صفة الإدناء الذي أمرهن الله به، فقال بعضهم: هو أن يغطين وجوههن ورءوسهن فلا يبدين منهن إلا عينا واحدة.

ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: حدثنا أَبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ): أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة) " انتهى من"تفسير الطبري" (19/181).

وهذا الإسناد قد روي به تفسير كثير عن ابن عباس، وصحته محل خلاف بين أهل العلم، ولبّ الخلاف في حقيقة رواية علي، وهو ابن أبي طلحة، عن ابن عباس.

فأهل العلم متفقون على أن عليا لم يلق ابن عباس، ولم يسمع منه، فالسند منقطع لهذا السبب.

قال أبو يعلى الخليلي رحمه الله تعالى:

" وتفسير معاوية بن صالح قاضي الأندلس، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: رواه الكبار عن أبي صالح كاتب الليث، عن معاوية.

وأجمع الحفاظ على أن ابن أبي طلحة لم يسمعه من ابن عباس" انتهى من"الإرشاد" (1 /393 -394).

فتعلق بذلك الانقطاع المحكي، جمع من أهل العلم، وحكموا على هذه الروايات التفسيرية بالضعف، بسبب الانقطاع بين علي وابن عباس.

قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى:

" وهذا السند ضعيف عندهم، إلا أن البخاري يستأنس بما روي به، فيعلقه في صحيحه، وأبو صالح ومعاوية بن صالح مختلف فيهما، وعلي بن أبي طلحة فيه شيء، ونص الأئمة أنه لم يسمع من ابن عباس، ولكن ذكروا أنه سمع التفسير من مجاهد عن ابن عباس، وهذا لا يغني؛ لأننا لا ندري في هذه الرواية؛ أممّا سمعه من مجاهد هي، أم لا؟ " انتهى من"آثار المعلمي" (3 /1015).

وخلص الشيخ إلى أنه هذه الرواية مما يستأنس به، ولا يرتقي إلى مقام الحجية.

قال رحمه الله تعالى:

" طريق عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة، وفي كل منهم كلام، وهو مع ذلك منقطع، فإن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، وصحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يستأنس بها أهل العلم، ولا يحتجون بها" انتهى من"آثار الشيخ عبد الرحمن المعلمي" (17/659).

وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى:

" علي: هو ابن أبي طلحة الهاشمي: ثقة، تكلموا فيه. والراجح أن كلامهم فيه من أجل تشيعه. ولكن لم يسمع من ابن عباس... فهذا إسناد ضعيف، لانقطاعه " انتهى من"تفسير الطبري" (2 /527-528).

وعلى هذا مضى الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، فحكم على الخبر بالضعف.

والذين يرون صحته: يرون أن علي بن أبي طلحة، وإن لم يسمع من ابن عباس؛ إلا أن تفسيره كتاب قد عُرف عمن أخذه.

قال أبو جعفر النحاس رحمه الله تعالى:

" والذي يطعن في إسناده يقول: ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، وإنما أخذ التفسير عن مجاهد وعكرمة.

وهذا القول لا يوجب طعنا؛ لأنه أخذه عن رجلين ثقتين، وهو في نفسه ثقة صدوق" انتهى من "الناسخ والمنسوخ" (1/ 461–462).

والطعن في بعض رواته بوجود بعض الوهم في رواياتهم، فهذا راجع إلى محفوظاتهم، وأنهم ليسوا بأقوياء في الحفظ، لكن هذا التفسير هو نسخة وكتاب، فعمدتهم في رواية هذا التفسير على هذا الكتاب وليس على حفظهم.

فأقل أحوال هذا التفسير كما قال المعلمي رحمه الله تعالى، أنه يستأنس به.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" تفسير الوالبي -علي بن أبي طلحة- الذي رواه عبد الله ابن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس...

أما ثبوت ألفاظه عن ابن عباس: ففيها نظر؛ لأن الوالبي لم يسمعه من ابن عباس، ولم يدركه، بل هو منقطع، وإنما أخذ عن أصحابه، وكما أن السدي أيضا يذكر تفسيره عن ابن مسعود، وعن ابن عباس وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وليست تلك ألفاظهم بعينها، بل نقل هؤلاء شبيه بنقل أهل المغازي والسير، وهو مما يُستشهد به، ويعتبر به، ويُضم بعضه إلى بعض فيصير حجة ..." انتهى من "بيان تلبيس الجهمية" (5 /520-522).

ومن ذهب إلى وجوب تغطية الوجه على المرأة؛ لم يكن دليلهم الوحيد قول ابن عباس هذا، بل هناك جملة من الأدلة تعضد معناه وتقويه.

وقد سبق ذكرها في جواب السؤال رقم: (21536)، ورقم: (11774)، ورقم: (13998).

وتغطية الوجه هو عمل أمهات المؤمنين، والنساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الأكمل في الحياء، خاصة في البلد الذي اعتادت النساء فيه على تغطية الوجه.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، وهو المناصر للقول بعدم وجوب تغطية الوجه:

" مشروعية ستر الوجه:

هذا؛ ثم إن كثيرًا من المشايخ اليوم يذهبون إلى أن وجه المرأة عورة لا يجوز لها كشفه، بل يحرم، وفيما تقدم في هذا البحث كفاية في الرد عليهم.

ويقابل هؤلاء طائفة أخرى يرون أن ستره بدعة وتنطع في الدين، كما قد بلغنا عن بعض من يتمسك بما ثبت في السنة في بعض البلاد اللبنانية، فإلى هؤلاء الإخوان وغيرهم نسوق الكلمة التالية:

ليُعلم أن ستر الوجه والكفين له أصل في السنة، وقد كان ذلك معهودا في زمنه صلى الله عليه وسلم كما يشير إليه صلى الله عليه وسلم بقوله:

"لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "تفسير سورة النور" "ص 56".

"وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن".

والنصوص متضافرة على أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يحتجبن، حتى في وجوههن. وإليك بعض الأحاديث والآثار التي تؤيد ما نقول... " انتهى من "جلباب المرأة المسلمة" (ص 104–105).

والله أعلم.