عنوان الفتوى : هل يسقط التعدد لأنه كان لضرورة وقد زالت!
سمعت من امرأة أنها تقول: إن هنالك تعبير يستعمل شرعاً وفي الفقه وهو: "ما بطل زمانه من الأحكام يسقط"، وأن التعدد أبيح للضرورة وبطل زمانه. وهكذا فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه حيث منع الزكاة في عهده عن المؤلفة قلوبهم؛ لأنه بطل زمانها؟
الحمد لله.
أولا:
يروى عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما لم يعطيا المؤلفة من الزكاة، وهذا محمول على عدم الحاجة إليهم، فإن المقصود من سهم المؤلفة أن يعطى من الزكاة ليتألف قلبه، أو ليكف شره، أو يعطى مسلم ليقوى إيمانه، فإذا كان المسلمون في عزة ولم يحتاجوا إلى هؤلاء، فإنهم لا يعطون هذا السهم، لكن يبقى الحكم، فحيث وجد من يُحتاج إلى تأليفهم، أعطي لهم.
وقد سبق بيان ذلك مفصلاً في جواب السؤال رقم: (363926).
وبهذا يُعلم أن سهم المؤلفة قلوبهم باق، إذا وجد من يحتاج المسلمون إلى تألُّفِه.
وأما إذا كان المسلمون في عزة وغلبة، ولم يحتاجوا إلى تألف أحد؛ فلا يلزمهم أن يعطوا أحدا من هذا السهم.
ثانيا:
التعدد شُرع لمصالح منها حاجة الرجل، وإعفاف النساء، وتكثير النسل، وغير ذلك.
ومن لم يحتج إلى التعدد لم يفعله، لكن حكمه باق لا يسقط.
وليس هناك قاعدة تقول: "ما بطل زمانه من الأحكام يسقط" !
وليس هناك أحكام يبطل زمانها، إلا ما دلت الأدلة الشرعية على نسخه، وهذا لا يكون إلا في زمن وجود النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا نسخ بعده، ولكن هناك حكم معلل بعلل معينة، فيزول الحكم إذا زالت علته.
وعبر الفقهاء عن ذلك بعدة ألفاظ:
الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها.
الحكم يدور مع علته وجوداً أو عدماً.
الحكم ينتهي بانتهاء علته.
لا يبقى الحكم مع زوال سببه.
الحكم ينتفي لانتفاء سببه.
بقاء الحكم ببقاء سببه.
ومثل لذلك كله الدكتور محمد صدقي البرنو في "موسوعة القواعد الفقهية" (3/195) بأمثلة فقال: " من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها:
وجود النصاب علة وسببٌ لوجوب الزكاة، فإذا هلك قبل تمام الحول: لم تجب.
ومنها: الجلّالة التي تأكل النجاسة قد نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا حبست حتى تطيب، كَانت حلالاً باتفاق المسلمين؛ لأن علة النهي والتحريم كانت النجاسة، فلما زالت صارت طاهرة.
ومنها: الخمر المنقلبة بنفسها إلى الخَلِّية تطهر باتفاق المسلمين، فإن النجاسة إذا زالت بأي وجه زال حكمها" انتهى.
ويشترط أن تكون العلة وصفا ظاهرا منضبطا مطردة، وأن تكون العلة مناسبة للحكم، بحيث يغلب على ظن المجتهد أن الحكم حاصل عند ثبوتها لأجلها، دون شيء سواها.
ومن الأحكام ما يكون معللا بعلتين، فإذا زالت واحدة لم يزل الحكم، لوجود العلة الأخرى، وهذا كله ينظره الفقهاء المجتهدون.
فما هي علة التعدد التي زالت؟!
وما الضرروة التي دعت إليه قديما ولا توجد حديثا؟!
إن الأمر على عكس ما قالت هذه القائلة، فالحاجة إلى التعدد اليوم أكثر من ذي قبل؛ لزيادة عدد النساء، وكثرة المطلقات، وزيادة عدد العوانس، وكثرة من لا تجد منهن من يعولها، وكثرة الشهوات والمغريات، وكثرة طرق الحرام، بخلاف الزمن الأول، وكلما مضى الزمن زادت أعداد النساء عن الرجال، كما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم (2671) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: "أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعَهُ مِنْهُ: (إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَفْشُوَ الزِّنَا، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ، وَتَبْقَى النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ).
فلو ألغي التعدد للزم بقاء ما لا يحصيه إلا الله من النساء بلا زواج.
ولو فتح الباب للجهال أن يتكلموا في مسائل الشريعة لأسقطوا كثيرا من الأحكام، فقد سبق من دعا لإسقاط الجهاد، ومن دعا لإسقاط الصيام، ومن دعا لإسقاط الحج، وكل هؤلاء يقولون: إنه لم تعد حاجة لذلك.
فالواجب الحذر من دعوات هؤلاء المفتونين الذين تضيق صدروهم بما أنزل الله وشرع، وليُعلم أن الإيمان يقتضي التسليم والإذعان لأحكام الله تعالى وشرعه، كما قال سبحانه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/ 65
وقال سبحانه: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) الأحزاب/36.
وقال تعالى: (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) الأعراف/2.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والرشاد.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري |
---|
هل يسقط التعدد لأنه كان لضرورة وقد زالت! |