عنوان الفتوى : لماذا منع عمر بن الخطاب سهم المؤلفة قلوبهم مع أنه ذكر في القرآن؟
هل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه منع الزكاة في عهده عن المؤلفة قلوبهم؟ حيث ذكر لي أحدهم أن منعها؛ لأنه بطل زمانه
الحمد لله.
يروى عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما لم يعطيا المؤلفة من الزكاة، وهذا محمول على عدم الحاجة إليهم، فإن المقصود من سهم المؤلفة أن يعطى من الزكاة ليتألف قلبه، أو ليكف شره، أو يعطى مسلم ليقوى إيمانه، فإذا كان المسلمون في عزة ولم يحتاجوا إلى هؤلاء، فإنهم لا يعطون هذا السهم، لكن يبقى الحكم، فحيث وجد من يُحتاج إلى تأليفهم، أعطي لهم.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/45) :
"(والمؤلفة قلوبهم، وهم المشركون المتألفون على الإسلام) هذا الصنف الرابع من أصناف الزكاة المستحقون لها.
وقال أبو حنيفة: انقطع سهمهم. وهو أحد أقوال الشافعي؛ لما روي أن مشركا جاء يلتمس من عمر مالا، فلم يعطه، وقال: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [الكهف: 29] . ولم ينقل عن عمر ولا عثمان ولا علي أنهم أعطوا شيئا من ذلك، ولأن الله تعالى أظهر الإسلام، وقمع المشركين، فلا حاجة بنا إلى التأليف".
ثم قال: ولعل معنى قول: انقطع حكمهم؛ أي لا يُحتاج إليهم في الغالب، أو أراد أن الأئمة لا يُعطونهم اليوم شيئا، فأما إن احتاج إليهم، جاز الدفع إليهم، فلا يجوز الدفع إليهم إلا مع الحاجة. ولنا، على جواز الدفع إليهم: قول الله تعالى: والمؤلفة قلوبهم [التوبة: 60]، وهذه الآية في سورة براءة، وهي من آخر ما نزل من القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى المؤلفة من المشركين والمسلمين. وأعطى أبو بكر - رضي الله عنه - عدي بن حاتم، وقد قدم عليه بثلاثمائة جمل من إبل الصدقة، ثلاثين بعيرا.
ومخالفة كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، واطراحها بلا حجة: لا يجوز، ولا يثبت النسخ بترك عمر وعثمان إعطاء المؤلفة، ولعلهم لم يحتاجوا إلى إعطائهم، فتركوا ذلك لعدم الحاجة إليه، لا لسقوطه.
فصل: والمؤلفة قلوبهم ضربان؛ كفار ومسلمون، وهم جميعا السادة المطاعون في قومهم وعشائرهم.
فالكفار ضربان؛ أحدهما، من يرجى إسلامه، فيعطى لتقوى نيتُه في الإسلام، وتميل نفسه إليه، فيسلم...
والضرب الثاني: من يُخشى شرُّه، ويُرجى بعطيته كفُّ شره وكفُّ غيره معه. وروي عن ابن عباس أن قوما كانوا يأتون النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن أعطاهم مدحوا الإسلام، وقالوا: هذا دين حسن، وإن منعهم ذموا وعابوا.
وأما المسلمون فأربعة أضرب:
قوم من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار، ومن المسلمين الذين لهم نية حسنة في الإسلام، فإذا أُعطُوا رجي إسلام نظرائهم وحسن نياتهم، فيجوز إعطاؤهم؛ لأن أبا بكر - رضي الله عنه -، أعطى عدي بن حاتم، والزبرقان بن بدر، مع حسن نياتهما وإسلامهما.
الضرب الثاني: سادات مطاعون في قومهم يرجى بعطيتهم قوة إيمانهم، ومناصحتهم في الجهاد، فإنهم يعطون؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وعلقمة بن علاثة، والطلقاء من أهل مكة، وقال للأنصار: يا معشر الأنصار علام تأسَون؟ على لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما لا إيمان لهم، ووكلتكم إلى إيمانكم؟ . وروى البخاري، بإسناده عن عمرو بن تغلب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى أناسا وترك أناسا، فبلغه عن الذين ترك أنهم عتَبوا، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني أعطي أناسا وأدع أناسا، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، أعطي أناسا لما في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أناسا إلى ما في قلوبهم من الغنى والخير؛ منهم عمرو بن تغلب...
الضرب الثالث: قوم في طرف بلاد الإسلام، إذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين.
الضرب الرابع: قوم إذا أعطوا جَبَوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف.
وكل هؤلاء يجوز الدفع إليهم من الزكاة؛ لأنهم من المؤلفة قلوبهم، فيدخلون في عموم الآية" انتهى.
وبهذا يُعلم أن سهم المؤلفة قلوبهم باق، إذا وجد من يحتاج المسلمون إلى تألُّفِه.
وأما إذا كان المسلمون في عزة وغلبة، ولم يحتاجوا إلى تألف أحد؛ فلا يلزمهم أن يعطوا أحدا من هذا السهم.
وينظر ما سبق حول إعطاء المؤلفة قلوبهم ، في جواب السؤال رقم:(48981)، ورقم:(39655).
وينظر للفائدة حول موقف عمر في هذه المسألة مقال
ادعاء مخالفة عمر بن الخطاب للتشريع الإسلامي في منعه لسهم المؤلفة قلوبهم
والله أعلم