عنوان الفتوى : العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما بالمثل لا بالقيمة
الإخوة الأفاضل: منذ سنة تقريبًا تعرفت إلى شخص اسمه عثمان، عن طريق صديق مشترك بيننا، وعثمان يملك محورين لإنتاج البرسيم في السودان، وادعى عثمان أن شريكه السابق قد اضطر لترك الشراكة لأسباب خاصة، وأنه قد دفع لشريكه قيمة حصته، وأنه لم يعد يملك المال الكافي لتشغيل المحورين؛ ولهذا فإنه يرغب في مشاركتي، بحيث أدفع أجور التشغيل (الديزل، والسماد، والحصاد) لمدة شهرين، وأحصل بالمقابل على 20% من الإنتاج لمدة عام كامل، ويقوم عثمان بسداد مالي من حصته في الشهر الثالث من بدء الاستثمار، فقلت له: إنني لا أعرف موقع الأرض، ولا أعرف سبب انسحاب الشريك، ولا أعرف وضع المحورين، وحالة الزراعة، لكنني أرغب في مساعدته، واستثمار المال، وتعلم زراعة البرسيم بشكل عملي، وقلت له: إنني لا أطمع في الربح، بقدر ما أطمع في التعلم؛ وعليه فإنني سأكون مقرضًا له ولست شريكًا، فإذا رغب بشراكتي فيمكن أن نقوم بذلك لاحقًا في العام القادم عند توطد الثقة، وإذا أعطاني 20% من الإنتاج، فله الشكر. وذهبنا إلى المحامية، وكتبنا عقد بيع لسيارته باسمي، ووقع لي شيكًا بقيمة أول دفعة من القرض، دون تحديد التاريخ؛ وذلك ضمانة للمبلغ المقرض، وأعطيته المال (200,000) جنيه سوداني، بقيمة (9,490$) في ذلك الوقت، كما أعطيته بعد فترة مبلغ (160,000) جنيه بقيمة (7,592$)، وأخذت منه شيك ضمان آخر بالعملة المحلية (الجنيه السوداني)؛ وبهذا أصبح عندي عقد السيارة باسمي (بقيمة 200,000)، بالإضافة إلى شيك بقيمة (200,000) جنيه، وشيك بقيمة (160,000) جنيه، وذهبنا أنا وعثمان إلى الأرض، وتبين أن الأرض لم تسقَ منذ شهر تقريبًا، والزراعة في خطر شديد، والنباتات ذابلة ومصفرة، وبعد مرور شهر تم حصاد أول كمية، وكانت أقل من 5% مما قاله عثمان قبل أن أعطيه النقود، وبدأ عثمان بمماطلتي، وتأخير السداد لأكثر من ستة أشهر، ومن ثم انتهى المحور الأول، وبدأ عثمان بسداد أجزاء بسيطة من المبلغ، علمًا أن قيمة الدولار مقابل الجنيه السوداني كانت 21 جنيها تقريبًا، وأصبحت 38 جنيهًا، وسعر غرام الذهب كان ب 800 جنيه، وأصبح ب 2000 جنيه. وبعدها انتهى المحور الثاني، وفقدت أي فرصة لتعويض خسارتي التي بلغت على حساباتي (8,000$) تقريبًا (نصف المبلغ)، علمًا أني لا أحتفظ بأموالي بالعملة المحلية، فأنا أجنبي، كما أنني لا أثق بالعملة المحلية. ولو التزم عثمان بسداد المبلغ خلال ثلاثة أشهر، كما كان الاتفاق، لما خسرت أكثر من (1,000$ تقريبًا)، وهو مبلغ مقبول لا يحتاج إلى تفكير، أو استشارة، وقد صبرت عليه لأبعد الحدود، ووعدني وأخلف مئات المرات، علمًا أنه ميسور الحال، وعنده محور برسيم صغير في منطقة أخرى، يحقق له دخلًا شهريًّا يتجاوز (10,000$)، بالإضافة إلى عمله في المقاولات، وغير ذلك، وكان دائمًا يتحدث لي عن مستقبل العمل الذي سيتم بيننا، وكيف أنه سيعوضني عن خسارتي بأن يشاركني في المحاور الجديدة (بعملي فقط)، وسيمنحني ما وعدني به. وعندما فقدت الأمل من كلامه، أخبرته أن المبلغ الأصلي ليس لي، وهو لرجل صعب الطباع، ويريد ماله كاملًا، وأنني سأدفع الخسارة من جيبي، عندها بدأ عثمان بإتمام عملية السداد، وحاليًّا ما زال عقد السيارة باسمي، والشيكات معي، وقد بقي من المبلغ (بالجنيه السوداني) أكثر من الثلث، وأنا أفكر في اتخاذ أحد الخيارات التالية: 1-أن أقدم الشيكات، وعقد السيارة للجهات المختصة، وأحصل من عثمان على كل المبلغ (360,000) جنيه كاملة، ومن ثم أشتري الدولارات التي خسرتها (وفقًا لسعر الدولار، أو الذهب، أو ما تنصحوني به)، وأعيد له باقي المبلغ. 2- أن أستلم منه باقي المبلغ بالعملة المحلية، وأعطيه شيكاته، وعقد سيارته. 3- أن أستلم منه باقي المبلغ بالعملة المحلية، وأقول له: إن الشيكات عند الشخص (الوهمي)، ولن يعطيني إياها إلا إذا سددت له باقي المبلغ بالدولار؛ وفي هذه الحالة أتطلع إلى الشراكة التي وعدني بها عثمان؛ لكي أتمكن من سداد التزاماتي للشخص صاحب المال (الوهمي)؛ حيث إنني لا أملك المال، وفي هذه الحالة بعد عدة أشهر إذا أوفى عثمان بوعده، فسأعيد له الشيكات، والسيارة، وإذا كذب فسأعود إلى اختيار الحل الأول. أرجو ألا أكون قد أطلت عليكم، وبانتظار تكرمكم بالإجابة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فخلاصة القول فيما سألت عنه: أنه لا سبيل إلا إلى الحل الثاني -كما ذكرت-، وهو أن تستلم منه باقي المبلغ بالعملة المحلية، وتعطيه شيكاته، وعقد سيارته، ولك الأجر عند الله عز وجل، إلا إذا شاء هو التبرع لك بشيء زائد من حسن القضاء، ومجازاة الإحسان بمثله، فلا حرج حينئذ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن خياركم، أحسنكم قضاءً. رواه البخاري، ومسلم. لكن لا يلزمه غير أصل المبلغ، بالعملة التي دفع إليه بها، وهي الجنيه -كما ذكرت-، ولا عبرة باضطراب ثمنه مقابل الدولار، أو الذهب.
وقد كان بإمكانك أن تقرضه الدولار، وحينئذ يلزمه دفع الدولار، لكنك إنما أقرضته المبلغ بالجنيه، وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي، في دورته المنعقدة بالكويت بتاريخ: 12/1988: أن العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما، هي بالمثل, وليس بالقيمة؛ لأن الديون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة -أيًّا كان مصدرها- بمستوى الأسعار. اهـ.
وجاء في قراره أيضًا، في دورته المنعقدة ببروناي دار السلام بتاريخ: 6/1993: الدَّين الحاصل بعملة معينة، لا يجوز الاتفاق على تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك العملة من الذهب، أو من عملة أخرى، على معنى أن يلتزم المدين بأداء الدَّين بالذهب، أو العملة الأخرى المتفق على الأداء بها. اهـ.
والله أعلم.