عنوان الفتوى : استخارت الله تعالى في السفر، وما زالت محتارة
أريد السفر إلي بلد معين، وأدعو الله تعالى أن يوفقني لما فيه خير لي أنا وأهلي، ولكن أبحث كثيرا، ومن ضمن البحث وجدت أن المدينة التي أريد السفر إليها داخل تلك البلد هى أكثر عرضة للزلازل، وليست بأمان كافٍ، وأعلم أن الأمر بيد الله تعالى وحده، والأعمار بيد الله تعالى، وإذا قدر الله تعالى على الموت فسأموت، وأنا في بيتي، ولكني خائفة أن يكون هذا الأمر علامة بأن السفر ليس فيه خير، ولا أدري هل أبحث عن مدينة أخرى، وأتوكل على الله تعالى، وأذهب، وما يريده الله تعالى سيكون، فالأمر كله بيد الله تعالى وحده، أمل أن تفيدوني، فليس أحد لأخذ رأيه أو يرشدني إلى الصواب والصحيح.
الحمد لله.
إذا أراد الإنسان أمرا من الأمور كسفر أو تجارة أو زواج ... ونحو ذلك ، فإنه يشرع له في هذه الحال أن يستخير الله تعالى ليرشده إلى ما فيه الخير له دنيا وآخرة.
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا ، كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ: إِذَا هَمَّ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي- أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي- أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ رواه البخاري (6382).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" الاستخارة سنة إذا هم بشيء ولم يتبين له رجحان فعله، أو تركه " انتهى من"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/321).
ولم يرد في نص صحيح التنصيص على ماذا يفعل المستخير بعد الاستخارة، وما العلامة التي بها يعلم الجهة التي فيها الخير.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" واختلف فيما ذا يفعل المستخير بعد الاستخارة، فقال ابن عبد السلام: يفعل ما اتفق، ويستدل له بقوله في بعض طرق حديث ابن مسعود في آخره: ( ثم يعزم )، وأول الحديث: ( إذا أراد أحدكم أمرا فليقل ).
وقال النووي في "الأذكار": يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح به صدره ... والمعتمد أنه لا يفعل ما ينشرح به صدره مما كان له فيه هوى قوي قبل الاستخارة " انتهى من"فتح الباري" (11/187).
والذي يترجح أن على المسلم بعد صلاة الاستخارة أن يحرص على معرفة جانب النفع بنفسه، أو باستشارة من له تجربة وعلم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ... رواه مسلم (2664).
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":
" ويشرع بعد ذلك – أي الاستخارة - أن تستشير من تثق به من أهل النصح والخبرة، ومتى انشرح صدرك لأحد الأمرين فذلك هو علامة أن الله اختار لك ذلك الشيء.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود ، عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/ 161-162).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" ثم بعد ذلك المشورة إذا لم يتبين له شيء بعد الاستخارة، فإنه يشاور أهل الرأي والصلاح، ثم ما أشير عليه به فهو الخير إن شاء الله؛ لأن الله تعالى قد لا يجعل في قلبه بالاستخارة ميلا إلى شيء معين حتى يستشير، فيجعل الله تعالى ميل قلبه بعد المشورة.
وقد اختلف العلماء هل المقدم المشورة أو الاستخارة؟
والصحيح أن المقدم الاستخارة، فقدم أولا الاستخارة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا هم أحدكم بالأمر فليصل ركعتين...) " انتهى من"شرح رياض الصالحين" (4/162).
فالجانب الذي ينشرح له صدر المستخير يقدم عليه متوكلا على الله تعالى.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":
" وعلامة الاستخارة في إتمام الأمر الذي استخار فيه أو تركه: هو أن يجد المرء في قلبه قبولا وانشراحا لهذا الأمر الذي استخار فيه بأنه خير، فإن وجد في قلبه انقباضا وصدودا عن ذلك الأمر، فهو علامة بأن فيه شرا فيتركه الإنسان إلى غيره.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/57).
فما دمت لم ينشرح صدرك إلى المدينة التي هممت بالسفر إليها بسبب كثرة الزلازل، ولا زلت تتخوفين منها ، فالأفضل أن تبحثي عن مدينة ينشرح لها صدرك، فلا يرغم الإنسان نفسه على الإقامة ببلد ينزعج منه ويعيش فيه على كدر، ولذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من استثقل دارا أن ينتقل منها.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا، وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا، فَتَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا، وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَرُوهَا ذَمِيمَةً رواه أبو داود (3924)، وحسنه الشيخ الألباني.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" وإنما أمرهم صلى الله عليه وسلم بالتحول عنها عندما وقع في قلوبهم منها، لمصلحتين ومنفعتين:
إحداهما: مفارقتهم لمكان هم له مستثقلون، ومنه مستوحشون، لما لحقهم فيه ونالهم عنده، ليتعجلوا الراحة مما داخَلهم من الجزع في ذلك المكان والحزن والهلع؛ لأن الله عز وجل قد جعل في غرائز الناس وتركيبهم استثقال ما نالهم الشر فيه وإن كان لا سبب له في ذلك... " انتهى. "مفتاح دار السعادة" (3 / 1557).
فالحاصل؛ أن لكم أن تعرضوا عن هذه المدينة التي استثقلتموها بسبب الزلازل، ولعل هذا من الخير، وتبحثوا عن مدينة تناسبكم، وتنشرح لها صدوركم وتستخيروا الله تعالى في الانتقال إليها إذا كانت مصالحكم تقتضي ذلك.
ومما ينبغي للمسلم في هذه الأمور أن يراعي مصالح الآخرة وأحكام الشرع، ولا يقصر ذهنه على النظر إلى المصالح الدنيوية فقط.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |