عنوان الفتوى : أحكام رسم الصور ناقصة الخلقة
ما هو حكم رسم ذوات الأرواح ناقصة الخلقة، مثلا الرأس والصدر فقط، فأنا احترت عندما قرأت الفتاوى، فبعضها ذكر فيها أنه جائز، والبعض الآخر لا، وإذا كان بسبب اختلاف العلماء، فهل يجوز لي أن آخذ برخصة بعض أهل العلم إذا كان الرسم ناقصا؟ وماذا عن حديث (الصورة الرأس)؟ هل يقصد بالحديث أنه إذا قطع الرأس؛ سواء أكان هو الصورة أم تكون جسما كاملا بغير رأس، فإن ذلك يجوز؟ أي كان المقصود بالحديث الفصل بين الرأس والجسم حتى لا يكون تصويرا؟ أم أن تصوير الأرواح إذا ظهرت فيه ملامح الوجه، وكان ناقص الخلقة يجوز فقط إذا كان الرسم ممتهنا؛ مثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جعل فيه القماش ذا التصاوير وسادتين؟ أم لا يشترط أن يكون ممتهنا عندما رخص به كثير من أهل العلم؟ أرجوكم أجيبوني بشكل واضح؛ لأني أحب الرسم كثيرا جدا، وكنت أفكر بأنه إذا كان جائزا رسم ذوات الأرواح ناقصة الخلقة أنه من باب الخروج من التشدد في الدين. أعلم أنه قد يكون هذا الرسم ليس بذي أهمية للقارئ، ولكنه مهم جدا بالنسبة لي. لذا أرجو منكم تفهم ذلك مع العلم أني مصابة بوسواس، وأنا دائما فتاة وحيدة، لا أملك أصدقاء، وغالبا ما تكون الأمور المهمة بالنسبة لي غريبة، ولكن الحمد لله بسبب ذلك أجد طرقا لأبعد نفسي عن كثير من المحرمات، فأنا أحاول طاعة الله ما استطعت. شكرا لكم، وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حكم رسم ذوات الأرواح -الصور غير ذات الظل- محل خلاف بين العلماء، وجمهورهم على أنه محرم من حيث الأصل، وذهب بعضهم إلى أنه غير محرم ، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
مذهب المالكية جواز صناعة الصور المسطحة مطلقا، مع الكراهة. لكن إن كانت فيما يمتهن فلا كراهة بل خلاف الأولى. وتزول الكراهة إذا كانت الصور مقطوعة عضو لا تبقى الحياة مع فقده.
ومن الحجة لهذا المذهب ما يلي:
(1) حديث أبي طلحة وعنه زيد بن خالد الجهني، ورواه سهل بن حنيف الصحابي رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة، إلا رقما في ثوب فهذا الحديث مقيد، فيحمل عليه كل ما ورد من النهي عن التصاوير ولعن المصورين.
(2) حديث أبي هريرة مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: في الحديث القدسي ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة.
ووجه الاحتجاج به: أن الله تعالى لم يخلق هذه الأحياء سطوحا، بل اخترعها مجسمة.
(3) استعمال الصور في بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم أنها جعلت الستر مرفقتين، فكان يرتفق بهما، وفي بعض الروايات " وإن فيهما الصور".
(4) استعمال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الدنانير الرومية والدراهم الفارسية وعليها صور ملوكهم ولم يكن عندهم نقود غيرها إلا الفلوس.
القول الثاني :
إنها محرمة كصناعة ذوات الظل. وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، ونقل عن كثير من السلف. واستثنى بعض أصحاب هذا القول الصور المقطوعة وأشياء أخرى .
واحتجوا للتحريم بإطلاق الأحاديث الواردة في لعن النبي صلى الله عليه وسلم للمصورين، وأن المصور يعذب يوم القيامة بأن يكلف بنفخ الروح في كل صورة صورها. خرج من ذلك صور الأشجار ونحوها مما لا روح فيه، فيبقى ما عداها على التحريم.
قالوا: وأما الاحتجاج لإباحة صنع الصور المسطحة باستعمال النبي صلى الله عليه وسلم الوسادتين اللتين فيهما الصور، واستعمال الصحابة والتابعين لذلك، فإن الاستعمال للصورة حيث جاز لا يعني جواز تصويرها؛ لأن النص ورد بتحريم التصوير ولعن المصور، وهو شيء آخر غير استعمال ما فيه الصورة. وقد علل في بعض الروايات بمضاهاة خلق الله والتشبيه به، وذلك إثم غير متحقق الاستعمال .اهـ. باختصار.
وكثير ممن يرون تحريم الصور يستثنون من التحريم الصور ناقصة الخلقة عضوا لا تتم الحياة دونه -سواء الرأس أم غيره-، جاء في المغني لابن قدامة: فإن قطع رأس الصورة، ذهبت الكراهة. قال ابن عباس: الصورة الرأس، فإذا قطع الرأس فليس بصورة. وحكي ذلك عن عكرمة. وقد روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله «- صلى الله عليه وسلم -: أتاني جبريل، فقال: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي على الباب فيقطع، فيصير كهيئة الشجر، ومر بالستر فلتقطع منه وسادتان منبوذتان يوطآن، ومر بالكلب فليخرج. ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.» وإن قطع منه ما لا يبقي الحيوان بعد ذهابه، كصدره أو بطنه، أو جعل له رأس منفصل عن بدنه، لم يدخل تحت النهي، لأن الصورة لا تبقى بعد ذهابه، فهو كقطع الرأس. وإن كان الذاهب يبقي الحيوان بعده، كالعين واليد والرجل، فهو صورة داخلة تحت النهي. وكذلك إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس، أو رأس بلا بدن، أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان، لم يدخل في النهي؛ لأن ذلك ليس بصورة حيوان . اهـ.
وجاء في أسنى المطالب وحاشيته للرملي: وكذا إن قطع رأس الصورة. قال الكوهكيلوني: وكذا حكم ما صور بلا رأس، وأما الرؤوس بلا أبدان فهل تحرم؟ فيه تردد. والحرمة أرجح. قال الرملي: وهما وجهان في الحاوي وبناهما على أنه هل يجوز تصوير حيوان لا نظير له: إن جوزناه جاز ذلك، وإلا فلا، وهو الصحيح. ويشملهما قوله: ويحرم تصوير حيوان .اهـ.
فالخلاصة: أنه لا حرج في رسم الصور ناقصة الخلقة ما لا تتم الحياة دونه عند كثير من العلماء -ولو كان الرأس باقيا، ولو لم تكن الصورة ممتهنة- ، وأما رسم الصور التامة فالجمهور على التحريم .
وننبهك إلى أنه لا ينبغي وصف اجتهادات العلماء المعتبرة بتحريم أمر ما بأنها تشدد في الدين !
وأما قضية الأخذ بالأيسر الأقوال وأخفها في مسائل الخلاف ومتى يسوغ، ومتى يكون من تتبع الرخص المذموم فراجعي فيه الفتوى: 319819، وإحالاتها.
والله أعلم.