عنوان الفتوى : هل يجوز لصاحب العمل أن يأخذ إيصال أمانة على العامل لضمان حقوقه؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

صاحب العمل يشترط كتابة وصل أمانة بعد كتابة عقد العمل، وذلك لإلزام الموظف بعدم خيانة الشركة أو الكيان والالتزام بلوائح العمل، مع العلم لم يتم أخذ هذا المبلغ ولكن هي ورقة ضمان لصاحب العمل لعدم تخلي الموظف واخلاله بعقد العمل مع العلم أيضا، أن لي كموظف صلاحية الوصول إلى عدد من البضائع وتقع تحت مسؤوليتي أجهزة تقدر بمبالغ تتعدى ال 100 ألف ومسؤول عن تسويق منتجات تتعدى الطلبية فوق ال 4 مليون

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.

أولا :

إيصال الأمانة ورقة عرفية

إيصال الأمانة هو ورقة عرفية تكتب بين طرفين: أن الطرف الثاني أخذ من الأول مبلغا من المال لإيصاله إلى طرف ثالث، أو أخذه لحفظه، على أن يسترده الطرف الأول متى طلبه.

وهي طريقة لحفظ الحقوق وتوثيقها تعارف عليها الناس.

ويلجأ الناس إليه في البلاد التي تتأخر فيها إجراءات المحاكم والقضايا إلى عدة سنوات –كما هو الحال في بلد السائل- ثم بعد سنوات من التقاضي قد يحصل صاحب الحق على حقه أو لا ؟

فلجأ الناس إلى هذا الإيصال لما له من قوة إلزامية في القوانين، وسرعة في إجراءات التقاضي.

ثانيا :

هل يجوز كتابة إيصال الأمانة لحفظ الحقوق؟

الأصل في هذا الإيصال أنه لا تجوز كتابته إلا إذا كان معبِّرًا عن الحقيقة، وهي استلام مبلغ محدد من النقود على سبيل الأمانة، فإن لم يكن الأمر حقيقيا –كما هو الغالب- كان كذبا، وكان الموقِّع على الإيصال مقرًّا على نفسه بما هو كذب، وكان صاحب الإيصال مدعيا ما لم يحصل.

ولكن: هذا كذب يحفظ حق الإنسان، ولا يضر أحدًا ؛ فالظاهر أن فيه رخصة وسعة، عند الحاجة إليه.

فقد جاءت السنة النبوية بجواز بعض الصور من الكذب.

روى مسلم (2605) عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا .

قال الغزالي رحمه الله :

"اعلم أن الكذب ليس حراماً لعينه، بل لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره، فإن أقلَّ درجاته أن يعتقد المخبَر الشيء على خلاف ما هو عليه فيكون جاهلاً، وقد يتعلق به ضرر غيره.

ورُبَّ جهلٍ فيه منفعة ومصلحة، فالكذب محصل لذلك الجهل، فيكون مأذوناً فيه، وربما كان واجباً.

فنقول : الكلام وسيلة إلى المقاصد :

فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً : فالكذب فيه حرام.

وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق : فالكذب فيه مباح، إن كان تحصيل ذلك القصد مباحاً..." انتهى من "إحياء علوم الدين" (3/136).

وهذا الكلام ينطبق على إيصال الأمانة، ففي صورة السؤال –وصور أخرى كثيرة، كالقروض- يجد صاحب الحق نفسه مضطرا لكتابة إيصال أمانة، ليحفظ حقه، لأنه بدونه قد لا يحصل على شيء.

ثالثا :

الموظف لا يضمن ما تحت يده إلا بالتعدي والتفريط

الموظف في اصطلاح الفقهاء "أجير خاص" لأن إجارته محددة بالزمن، وهي مدة الدوام اليومي، والأجير الخاص لا يضمن ما تحت يده من أموال المستأجر، إلا إذا تعدى أو فرط في حفظها.

قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (10/78):

"فقوله: ولا يضمن أجير خاص ما جنت يده خطأ؛ وذلك لأن الأجير الخاص يعمل كالوكيل عن المستأجر.

مثال ذلك: استأجرتَ عاملاً عندك شهراً بكذا وكذا ليعمل، وفي يوم من الأيام أخطأ في العمل، وصار في هذا الخطأ ضرر عليك، يقول المؤلف: لا يضمن؛ لأنه يشتغل عندك بالوكالة عنك، والوكيل لا يضمن ما تلف من فعله بلا تعدٍّ ولا تفريط" انتهى.

وقال ابن مفلح في الفروع (7/174) : "مَنْ اُسْتُؤْجِرَ مُدَّةً فَأَجِيرٌ خَاصٌّ، لَا تُضْمَنُ جِنَايَتُهُ، فِي الْمَنْصُوصِ [أي نص على هذا الإمام أحمد]، إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ، قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ يُفَرِّطَ" انتهى.

وقال البهوتي في شرح منتهى الإرادات (2/269) : "وَلَا ضَمَانَ عَلَى أَجِيرٍ خَاصٍّ، وَهُوَ مَنْ اسْتُؤجِرَ مُدَّةَ سَلَّمَ نَفْسَهُ) لِمُسْتَأْجِرٍ كَأَنْ عَمِلَ بِبَيْتِهِ... كَمَا لَوْ انْكَسَرَتْ مِنْهُ الْجَرَّةُ الَّتِي يَسْتَقِي بِهَا، أَوْ الْآلَةُ الَّتِي يَحْرُثُ بِهَا، أَوْ الْمَكِيلُ الَّذِي يَكِيلُ بِهِ أَوْ نَحْوَهُ" انتهى.

وبناء على هذا، فإذا أتلف الموظف جهازا، أو أضاع أموالا من أموال الشركة، فلا يجوز لصاحب العمل أن يبادر بتقديم إيصال الأمانة إلى الجهات القضائية، بل الواجب عليه أن يتحقق من تقصير الموظف أولًا، حتى ينظر هل يلزمه ضمان ما أتلفه وأضاعه أم لا ؟

كما لا يجوز لصاحب العمل أن يكون هو الخصم والحكم في الوقت ذاته، بل يتم تحكيم طرف ثالث ليحكم بين صاحب العمل والموظف، على أن يكون ذلك الحاكم من أهل العلم بالشرع، المشهود لهم بالأمانة والتيقظ.

فإذا حكم بأن الموظف مقصر، فإن لصاحب العمل أن يستعمل إيصال الأمانة حينئذ، بشرط ألا يأخذ أكثر من حقه –كما سبق-.

وينظر جواب سؤال: (حكم أخذ شيك أو إيصال أمانة على المضارب لإثبات أنه أخذ المال ).

والله أعلم.