عنوان الفتوى : ما حكم النقطة السوداء في جبين الطفل لدفع العين؟
يضع الناس النقاط السوداء على جبين الأطفال، مع النيّة أنها سوف تحميهم من العين الحاسدة، لقد سمعت أنّها شِرك، لكن لم نكن نعرف حينها، اعتادت شقيقتي على وضع نقطة سوداء على جبين طفلها، لقد قمت بالنقر فوق صورة الطفل بتلك النقطة السوداء، ونشرت أختي هذه الصورة على الفيسبوك، فماذا ينبغي أن أفعل؟ وهل أرتكبت الشِّرك؟
الحمد لله.
أولا:
اعتقاد أن النقطة السوداء على الجبين تدفع العين
لا يجوز اعتقاد أن هذه النقطة السوداء على الجبين تدفع العين؛ لعدم الدليل على ذلك، ولا يجوز إثبات شيء سببا في شيء إلا أن يثبت ذلك بالشرع أو بالعلم التجريبي كتأثير الأدوية مثلا، ومن اعتقد ما ليس سببا سببا فقد أشرك، ومن ذلك لبس الحلقة من الواهنة، أو وضع (الكف) أو حذوة الفرس ونحو ذلك لدفع العين.
وقد روى أحمد (17458) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَالَ: مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ صححه الألباني في "صحيح الجامع".
وروى أحمد أيضا (17440) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في "تحقيق المسند".
والتميمة: ما علق لدفع العين والوقاية من الآفات.
والودعة: واحدة الودع، وهي أحجار تؤخذ من البحر يعلقونها لدفع العين، ويزعمون أن الإنسان إذا علق هذه الودعة لم تصبه العين، أو لا يصيبه الجن.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولبس الحلقة ونحوها إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله، فهو مشرك شركاً أكبر في توحيد الربوبية، لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً غيره.
وإن اعتقد أنها سبب، ولكنه ليس مؤثراً بنفسه، فهو مشرك شركاً أصغر لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسببٍ سبباً فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سبباً.
وطريق العلم بأن الشيء سبب، إما عن طريق الشرع، وذلك كالعسل فيه شفاء للناس [النحل: 69]، وكقراءة القرآن فيها شفاء للناس، قال الله تعالى: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين [الإسراء: 82].
وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعاً في هذا الألم أو المرض، ولكن لا بد أن يكون أثره ظاهراً مباشراً كما لو اكتوى بالنار فبرئ بذلك مثلاً، فهذا سبب ظاهر بيّن، وإنما قلنا هذا لئلا يقول قائل: أنا جربت هذا وانتفعت به، وهو لم يكن مباشراً، كالحلقة، فقد يلبسها إنسان وهو يعتقد أنها نافعة، فينتفع لأن للانفعال النفسي للشيء أثراً بيناً، فقد يقرأ إنسان على مريض فلا يرتاح له، ثم يأتي آخر يعتقد أن قراءته نافعة، فيقرأ عليه الآية نفسها فيرتاح له ويشعر بخفة الألم، كذلك الذين يلبسون الحلق ويربطون الخيوط، قد يحسون بخفة الألم أو اندفاعه أو ارتفاعه بناءً على اعتقادهم نفعها.
وخفة الألم لمن اعتقد نفع تلك الحلقة مجرد شعور نفسي، والشعور النفسي ليس طريقاً شرعياً لإثبات الأسباب، كما أن الإلهام ليس طريقاً للتشريع " انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد" (1/ 165).
ثانيا:
وضع نقطة سوداء على جبين الطفل ليقلل من جماله حتى لا يصاب بالعين
ربما التبس على من يفعل ذلك ما نقل عن عثمان رضي الله عنه من الأمر بتسويد نونة الصبي وهي النقرة التي تكون في ذقنه.
قال البغوي في "شرح السنة" (12/166): "وروي أن عثمان رأى صبيا مليحا، فقال: دسموا نونته كيلا تصيبه العين.
ومعنى دسموا، أي: سودوا، والنونة: الثقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير" انتهى.
قال ابن القيم رحمه الله: " ومن علاج ذلك أيضا والاحتراز منه: ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه، كما ذكر البغوي في كتاب " شرح السنة ": أن عثمان رضي الله عنه رأى صبيا مليحا فقال: دسموا نونته؛ لئلا تصيبه العين ثم قال في تفسيره ومعنى: دسموا نونته أي: سودوا نونته، والنونة: النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير.
وقال الخطابي في " غريب الحديث " له عن عثمان: إنه رأى صبيا تأخذه العين فقال: دسموا نونته فقال أبو عمرو: سألت أحمد بن يحيى عنه فقال: أراد بالنونة النقرة التي في ذقنه. والتدسيم: التسويد. أراد: سودوا ذلك الموضع من ذقنه ليرُد العين" انتهى من "زاد المعاد" (4/ 159).
فهذا من باب ستر المحاسن، لئلا يعجب به الناظر.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وإذا كان الإنسان يلبس أبناءه ملابس رثة وبالية خوفًا من العين؛ فهل هذا جائز؟
الظاهر أنه لا بأس به؛ لأنه لم يفعل شيئاً، وإنما ترك شيئًا، وهو التحسين والتجميل، وقد ذكر ابن القيم في (زاد المعاد) أن عثمان رأى صبيًّا مليحًا، فقال: دسموا نونته، والنونة: هي التي تخرج في الوجه عندما يضحك الصبي كالنقوة، ومعنى دسموا؛ أي: سودوا" انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (1/180).
وسئل الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله: " جاء في بعض الكتب نقل معناه: أن الإنسان إذا خاف على ولده أو على نفسه العين، فإنه يضع على جبهته، أو جبهة ولده نقطة سوداء، لصرف العين ودفعها.
الجواب: اعتقادات الناس في دفع العين لا حصر لها، والجامع لذلك: أن كل شيء يفعله الناس مما يعتقدونه سببا، وليس هو بسبب شرعي ولا قدري: فإنه لا يجوز اتخاذه، وهذا يختلف عما جاء عن عمر - رضي الله عنه - أنه رأى غلاما صغيرا، حسن الصورة، وخاف عليه العين، فقال لأهله: دسموا نونته، ففعلوا؛ فهذا من باب إخفاء الحسن، ومحاولة تدميم الصورة. وليس التدسيم - وهو وضع نقطة في بعض الوجه - الذي يوضع لأجل أن تدفع تلك النقطة العين، ولكن لأجل أن يظهر بمظهر ليس بحسن، فلا تتعلق النفوس الشريرة به.
فإذا كان وضع هذه النقطة - التي ذكرت - لأجل اعتقاد أنها تدفع العين، فهذا من اتخاذ الأسباب الشركية التي لا تجوز، وإن كان لأجل إظهار عدم الحسن في تلك الصورة الجميلة، أو ذلك الجسد المعافى، أو نحو ذلك، فإن هذا لا بأس به. والله أعلم" انتهى من "التمهيد شرح كتاب التوحيد" (622-623).
فهذا التسويد يغير من الهيئة ويقلل من جمال الصبي، فلا يصاب بالعين، وليس المراد أن النقطة تدفع العين.
ثالثا:
لا شيء عليك في نقرك على هذه النقطة في الصورة، ما دمت لا تعتقدي أنها تدفع العين.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |