عنوان الفتوى : هل للمقتول حق يوم القيامة على الشخص الذي أمر بالقتل دون المشاركة بالفعل؟
شخص دفع مالا لشباب بالغين لضرب وقتل شخص دون مشاركة معهم، والشباب قبلوا تحمل المسؤولية، سؤالي هل للمقتول يوم القيامة حق على هدا الشخص، أم إنه سيسأل الشباب القتلة وحدهم؟ والشخص تاب وندم ويريد التوبة.
الحمد لله.
لا شك أن الآمر بالقتل أو الضرب: آثم معتد، بل يحمل وزره ووزر من دعاهم للمعصية، كما قال الله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ النحل/25.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا رواه مسلم (4831).
وهذا قد دعا أصحابه إلى القتل، وأمرهم به، وأعطاهم سُحتا عليه.
وقد روى أبو داود (4345) عَنِ الْعُرْسِ ابْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا - وَقَالَ مَرَّةً: (أَنْكَرَهَا) - كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا، كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".
فإذا كان هذا فيمن رضي بالجريمة، فكيف بمن دعا إليها؟!
فمن أمر غيره بالقتل فقتل، كانا شريكين في الإثم، شريكان في تبعة ذلك عند أحكم الحاكمين، مهما اختلفت درجة مسؤولية كل منهما، وقدر تبعته. وإن كان القصاص في الدنيا على المباشر.
فعَنْ أَبِي بَكَرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ؛ لَكَبَّهَمُ اللَّهُ جَمِيعًا عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ!!
رواه الطبراني في "الصغير" (565)، وقال الألباني: "صحيح لغيره" انتهى من "صحيح الترغيب" (2/630).
قال ابن عبد البر رحمه الله:
" عن إبراهيم النخعي، في الرجل يأمر الرجل فيقتل، قال: هما شريكان.
قال وكيع: هذا عندنا في الإثم، وأما القود [يعني : القصاص] فهو على القاتل.
قال أبو عمر: قد روي هذا منصوصا عن إبراهيم.
قال أبو بكر حدثني بن سعيد عن سفيان عن منصور قال: سألت إبراهيم عن أمير أمر رجلا، فقتل رجلا، فقال هما شريكان في الإثم" انتهى من "الاستذكار" (8/171).
ولا شك أن هذا العمل من كبائر الذنوب.
قَالَ العز ابْن عَبْد السَّلَام رَحِمَهُ اللَّه فِي كِتَابه ( الْقَوَاعِد ): "إِذَا أَرَدْت مَعْرِفَة الْفَرْق بَيْن الصَّغِيرَة وَالْكَبِيرَة؛ فَاعْرِضْ مَفْسَدَة الذَّنْب عَلَى مَفَاسِد الْكَبَائِر الْمَنْصُوص عَلَيْهَا؛ فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ أَقَلّ مَفَاسِد الْكَبَائِر؛ فَهِيَ مِنْ الصَّغَائِر، وَإِنْ سَاوَتْ أَدْنَى مَفَاسِد الْكَبَائِر، أَوْ رَبَتْ عَلَيْهِ: فَهِيَ مِنْ الْكَبَائِر.
فَمَنْ شَتَمَ الرَّبّ سُبْحَانه وَتَعَالَى , أَوْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ اِسْتَهَانَ بِالرُّسُلِ , أَوْ كَذَّبَ وَاحِدًا مِنْهُمْ , أَوْ ضَمَّخَ الْكَعْبَة بِالْعَذِرَةِ , أَوْ أَلْقَى الْمُصْحَف فِي الْقَاذُورَات: فَهِيَ مِنْ أَكْبَر الْكَبَائِر، وَلَمْ يُصَرِّح الشَّرْع بِأَنَّهُ كَبِيرَة.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَمْسَكَ اِمْرَأَة مُحْصَنَة لِمَنْ يَزْنِي بِهَا , أَوْ أَمْسَكَ مُسْلِمًا لِمَنْ يَقْتُلهُ , فَلَا شَكّ أَنَّ مَفْسَدَة ذَلِكَ أَعْظَم عَنْ مَفْسَدَة أَكْل مَال الْيَتِيم , مَعَ كَوْنه مِنْ الْكَبَائِر .
وَكَذَلِكَ لَوْ دَلَّ الْكُفَّار عَلَى عَوْرَات الْمُسْلِمِينَ مَعَ عِلْمه أَنَّهُمْ يسْتَأْصلُونَ بِدَلَالَتِهِ , وَيَسْبُونَ حَرَمَهُمْ وَأَطْفَالهمْ , وَيَغْنَمُونَ أَمْوَالهمْ؛ فَإِنَّ نِسْبَتَهُ إِلَى هَذِهِ الْمَفَاسِد أَعْظَم مِنْ تَوَلِّيهِ يَوْم الزَّحْف بِغَيْرِ عُذْر، مَعَ كَوْنه مِنْ الْكَبَائِر .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَذَبَ عَلَى إِنْسَان كَذِبًا يَعْلَم أَنَّهُ يُقْتَل بِسَبَبِهِ ؛ أَمَّا إِذَا كَذَبَ عَلَيْهِ كَذِبًا يُؤْخَذ مِنْهُ بِسَبَبِهِ تَمْرَة فَلَيْسَ كَذِبُهُ مِنْ الْكَبَائِر" انتهى.
فمن ابتلي بذلك فليجتهد في التوبة ، وليكثر من العمل الصالح.
وبكل حال؛ فإن المباشر نفسه لو تاب وأصلح: فإنه يرجى أن يرضي الله عنه المقتول يوم القيامة.
قال ابن القيم رحمه الله: " والتحقيق في المسألة: أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق: حق لله، وحق للمظلوم المقتول، وحق للولي، فإذا سلّم القاتل نفسه طوعا واختيارا إلى الولي، ندما على ما فعل، وخوفا من الله، وتوبة نصوحا: يسقط حق الله بالتوبة، وحق الولي بالاستيفاء أو الصلح، أو العفو، وبقى حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن ويصلح بينه وبينه، فلا يبطل حق هذا، ولا تبطل توبة هذا " انتهى من "الجواب الكافي" ص 102، ونقله المرداوي في "تصحيح الفروع" (6/ 171) وقال: " وتبع في ذلك الشيخ تقي الدين، فإنه فصل هذا التفصيل واختاره , وهو الصواب الذي لا شك فيه".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والعمد فيه ثلاثة حقوق:
الأول: حق الله، وهذا يسقط بالتوبة.
الثاني: حق أولياء المقتول، ويسقط بتسليم نفسه لهم.
الثالث: حق المقتول، وهذا لا يسقط؛ لأن المقتول قد قتل وذهب، ولكن هل يؤخذ من حسنات القاتل، أو أن الله تعالى بفضله يتحمل عنه؟ الصواب: أن الله بفضله يتحمل عنه إذا علم صدق توبة هذا القاتل " انتهى من "الشرح الممتع" (14/7).
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |