عنوان الفتوى : هل التوحيد الخالص يكفّر الكبائر؟
هل التوحيد الخالص يغفر الذنوب بما فيها الكبائر؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالتوحيد الخالص الذي هو التوحيد الكامل، يستلزم التوبة من جميع المعاصي، والإقلاع عن جميع الذنوب، فإن الذنوب كلها قادحة في كمال التوحيد.
وأصحاب هذا التوحيد المستلزم للتوبة، وترك الذنوب كلها، يحرمون على النار، بلا شك، قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: وَلَعَلَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى التَّوْحِيدِ، إِنَّمَا أَرَادَ التَّوْحِيدَ الْكَامِلَ الَّذِي يُحَرِّمُ صَاحِبَهُ عَلَى النَّارِ، وَهُوَ تَحْقِيقُ مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْمَعْبُودُ الَّذِي يُطَاعُ، فَلَا يُعْصَى خَشْيَةً وَإِجْلَالًا، وَمَهَابَةً وَمَحَبَّةً، وَرَجَاءً وَتَوَكُّلًا وَدُعَاءً، وَالْمَعَاصِي كُلُّهَا قَادِحَةٌ فِي هَذَا التَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّهَا إِجَابَةٌ لِدَاعِي الْهَوَى، وَهُوَ الشَّيْطَانُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23]، قَالَ الْحَسَنُ، وَغَيْرُهُ: هُوَ الَّذِي لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا رَكِبَهُ، فَهَذَا يُنَافِي الِاسْتِقَامَةَ عَلَى التَّوْحِيدِ. انتهى.
وقال ابن القيم -رحمه الله-: وكذلك يعفى عن الصغائر ما لا يعفى عن الكبائر، ويعفى لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك، ما لا يعفى لمن ليس كذلك، فلو لقي الموحد الذي لم يشرك بالله شيئًا البتة ربه بقراب الأرض خطايا، أتاه بقرابها مغفرة، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده، وشابه بالشرك؛ فإن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك، لا يبقى معه ذنب؛ فإنه يتضمن من محبة الله تعالى، وإجلاله، وتعظيمه، وخوفه، ورجائه وحده، ما يوجب غسل الذنوب، ولو كانت قراب الأرض، فالنجاسة عارضة، والدافع لها قوي، فلا تثبت معه. انتهى.
فهذا كله في حق أهل التوحيد الخالص الكامل، الذي لم يشب بالذنوب القادحة في كماله، وخلوصه.
وأما من نقص توحيده: إذا كان معه أصل الإسلام، فمات مصرًّا على الذنوب، فهو تحت مشيئة الرب تعالى.
والله أعلم.