عنوان الفتوى : محبة القرآن، وطرق عملية لتدبر القرآن
كنت أريد أن أحب القرآن، وأن يدخل حبه قلبي، ولا أتركه أبدا، ولا يمنعني الشيطان منه، أو يجعلني أمل أو أنفر، فكيف أفعل ذلك؟
الحمد لله.
أولًا :
القرآن حياة القلوب
قال تعالى : يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ يونس/57.
إنَّنا نريد من القرآن الحياة!
فلا حياة للقلب، ولا سلامة له بغير الإقبال على هذا الكتاب المجيد، إن للمسلم أوصافًا يستمدها بحسب تعلقه بالقرآن، فله من المجد، والحفظ، والرحمة، والهدى، والذكر، بحسب تعلقه بالقرآن تلاوة وفهما وعملا، وقد وعد ربنا اﻷكرم من أقبل على كتابه تعرضًا لنفحاته بالكرم الجزيل، واﻷجر العميم.
ففي القرآن الشفاء من اﻷدواء القلبية المهلكة في العاجل واﻵجل، وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء: 82]، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 37].
وفي القرآن يحصل القارئ السكينة التي تنزل على القلب بردًا وسلامًا، لتطفئ النار التي تشتعل، ﻷنه يرى في القرآن مصارع الظالمين، وإن طال الزمان، ومهلكهم الذي جعل الله له موعدًا..
إنَّه لا يحدثك عن القرآن وما يفعله في النفوس، مثلُ القرآن:
قال الله تعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ الرعد/19
وقال تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ النحل/102.
وقال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا الإسراء/82.
ثانيا:
الطريق إلى تدبر القرآن
وأما التدبر، فهو تجربة تخوضها، ونعيم تتذوقه، ومهما أُخْبِرت عنه، فلا بد أن تحياه بنفسك، إنه يبدأ من معرفة مراد الله تعالى بكلامه، بفهم الكلام أولا، وبتثوير هذه المعاني.
إن القرآن كالتمرة، كلما زدتها مضغا أعطتك حلاوة، والقرآن يحلو كلما كررته. كزجاجة العطر، كلما هززتها وحركتها، فاحت لك منها رائحة الطيب. ولذا ينبغي عليك أن تزيد تكراره، فإن عجائبه لا تنقضي، ولا يخلق على كثرة الرد.
ليس للتدبر دروب وعرة، ولا مسالك موحشة، ﻷن الله يسر القرآن للناس، يأخذ كل منهم بمقدار استعداده، لكن أحدًا لا يجالس القرآن إلا خرج منه بشيء، ولا تزال تخرج بالشيء تلو الشيء حتى تقف على ما يدهش اﻷلباب، ويأخذ بالنفوس.
افهم المعنى، وكرر اﻵية، ولا تستعجل، بل ازدد في الفهم، وابحث بصدق عن دواء دائك، وشفاء نفسك؛ فإنك ، إن شاء الله : ملاقيه.
وآفة كثير من الناس انشغالهم بالحديث حول التدبر عن التدبر نفسه، فانشغلوا بالوسيلة عن الغاية، وببنيات الطريق عن واضحاته.
أقبل على القرآن متأملًا، وباحثًا عن مرادك، وتلمسه ؛ تجده.
إنَّ في القرآن الكفاية، أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم، اللهم اكفنا بالقرآن، ولا تسلبنا نعمته، واجعل لنا منه أوفر حظ ونصيب!
ثالثا:
طرق عملية لتدبر القرآن
هذه بعض الخطوات العملية التي نرجو أن تفيدك في هذا الأمر:
1- لا بد من تهيئة نفسك لتدبر القرآن، وذلك بمحبة القرآن، وتعظيمه، واستشعار الافتقار لهداياته.
2- كن مع القرآن دائمًا، تلاوة، واستماعًا، وبحثًا عن الأسئلة التي تدور في ذهنك فيه.
3- افهم المعنى من كتب التفسير، فشرط التدبر فهم المعنى. وننصحك بالجمع بين تفسيرين مهمين في هذا: المختصر في التفسير، وهو منتشر متداول، وتفسير الشيخ السعدي "تيسر الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن" .
4- استعن بالكتب التي تعينك على إدراك بعض اللطائف الموجودة في الآيات.
5- لا تمل من إعادة وتكرار التلاوة مرة بعد أخرى.
ويمكن للمتدبر أن يحدد موضوعًا، ويفتش عنه في القرآن، أو يبحث عن هداية القرآن في مسألة، أو قضية، وسيجد خيرًا عظيمًا.
إنَّ القرآن عظيم في كل تفاصيله، جليل في كل مفرداته، يحتاج إلى إقبال وفهم، مع إيمان وحسن تلقٍ، فإذا حصل ذلك أثمرت شجرة الإيمان في القلب، وآتت أُكْلَها بإذن ربها، وصار أصلها ثابت وفرعها في السماء.
وهذا غيضٌ من فيضٍ، وقطرةٌ من بحرِ العظمة في آيات الأحكام، وحسن نظمها وجلاله.
ويمكنك أن تزيد نشاطك وهمتك في هذا بقراءة بعض الكتب المؤلفة في فضائل القرآن، وفضائل أهله. ومن أهمها: "فضائل القرآن"، لأبي عبيد القاسم بن سلام، و"فضائل القرآن"، للحافظ ابن كثير، وكذلك الكتابان النافعان المباركان: "أخلاق حملة القرآن"، للإمام الآجري، و"التبيان في آداب حملة القرآن"، للإمام النووي.
رابعاً:
كيف نرسخ حب القرآن في القلوب؟
محبة القرآن تكون بالإقبال عليه!
لا بد من القرب من القرآن بإزالة العوائق بينك وبينه، ولتتحايل على نفسك بالاستعانة بمشوقات القلب لكلام الرب.
القرآن نور، وهدى، ورحمة، وموعظة.
القرآن حياة.
القرآن الروح التي تغذي الأرواح، فالأرواح دون القرآن في شقاءٍ وتعبٍ، ونكدٍ، وهمٍّ، بل هي فاقدة للحياة.
ولا يحدثك عن القرآن إلا القرآن فأقبل عليه.
اسمع القرآن من قارئ تحب صوته.
واجتهد في الدعاء أن يجعل الله القرآن ربيع قلبك.
واستعن بما يعينك على الإقبال على القرآن دون الاستغراق في ذلك، فاقرأ: (الطريق إلى القرآن، والمشوق إلى القرآن)، واسمع محاضرات الشيخ فريد الأنصاري عن القرآن.
وأول طريق التصالح مع القرآن: أن تتحايل على نفسك بالإكثار من تلاوة القرآن، تلاوة لا كالتلاوات السابقة، تلاوة لا تنتظر فيها موعدًا، تلاوة لا تنشغل فيها بغير القرآن، إن القرآن كتاب عزيز لا بد أن تُعطِيه أنْفَس ما تملك من أوقات، فأقبل عليه وإياك أن تبخل، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه!
إنَّ القرآن لهو بحق مشروع العمر، وبرنامج العبد في سيره إلى الله حتى يلقى الله!
وما كان تنجيم القرآن، وتصريف آياته على مدى ثلاث وعشرين سنةً، إلا خدمةً لهذا المقصد الرباني الحكيم!
إن نور القرآن لا يمتد شعاعه إلى الآخرين؛ إلا باشتعال قلب حامل كلماته، وتوهجه بحقائقه الإيمانية الملتهبة!
القرآن .. كالبحر من أي النواحي أتيته!
لو أنزله الرحمن على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله.
ولا شك أنَّ التلاوة (اليومية) للقرآن تعطي القلب زادًا إيمانيًا يجعل القلب في جاهزية مستمرة لتلقي حقائق الوحي نورًا يبدد الظلمات والران من القلب.
ففي التَّعرض المتكرر للقرآن فائدة عظيمة، لأنه يصادف أحوال القلب المختلفة.
فإذا صادف حال البلاء، أو النعمة، أو المرض، أو العافية، أو الغنى، أو الفقر، أو الخوف، أو الأمن، أو التفكر في الآخرة، أو البعد عنها .. إلى آخره؛ ووافقت قراءة التالي أو استماعه موضعًا من كتاب الله يتكلم عن تلك الحالة، أحدث ما لا يمكن وصفه!
إنَّ الارتباط بالقرآن يعطيك تميزًا عن بقية الخلق، لأن ارتباطك به يجعلك من أهل الله! كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل القرآن هم أهل الله، وخاصته رواه أحمد(12279)، والدارمي: (3369)، وابن ماجة(215)، وإسناده حسن، كما في حاشية المسند، ط الرسالة].
(أولئك أهل الله والصفوة الملا)
انظر : "الدليل إلى القرآن" عمرو الشرقاوي (ص122).
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |