عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في رد المسروق والدين عند اختلاف القيمة
علمت مؤخرا أن الله لا يقبل توبه السارق حتى يرد ما سرق، وقد تبت إلى الله، و ندمت علي ما فعلت، وأحاول رد ما سرقت. وإذا كنت قد سرقت 100 دولار من 5 سنوات، فهل أرد المبلغ بقيمه الدولار الحالية، علما بأن الدولار ارتفع سعره إلى أكثر من ثلاثة أضعاف الآن مقارنة مع عملة بلدي. أيضا سرقت خاتمين من الذهب، وبعتهم. فهل أرد قيمتهم في ذلك الوقت أم قيمتهم الآن؟ أرجو الدعاء لي ليتقبل الله مني، ويغفر لي ذنوبي.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يتجاوز عنكِ، واعلمي أن من شروط التوبة مما فيه مظلمة للعباد - كالسرقة، ونحوها -: رد تلك المظالم إلى أصحابها، أو العفو والمسامحة منهم. كما في الفتوى رقم: 40782 .
وإرجاع المسروقات إذا كانت من العملات الورقية فإن العبرة أن ترد بالمثل وليس بالقيمة، فإذا سرقت مئة دولار قبل خمس سنوات فترجعينها لصاحبها مئة دولار بالمثل، ولا عبرة بالنقص اليسير في قيمة العملة في هذا الوقت، كما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي" رقم: (42) ، ( 4/5) : حيث جاء فيه: العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة ؛ لأن الديون تقضى بأمثالها ، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أيا كان مصدرها بمستوى الأسعار. انتهى ، وهذا القرار متعلق برد الديون، ويلحق به رد المسروقات لأنها من جملة رد الحقوق إلى أصحابها .
وأما إذا كان التغير في قيمة العملة كثيرا، وقد حدده العلماء بثلث القيمة؛ كأن يبلغ مئة دولار قبل خمس سنوات ما قيمته اليوم ثلاثمئة دولار، فقد اختلف فيه أهل العلم على عدة أقوال بحثها "مجمع الفقه الإسلامي" في دورته ( الثالثة ، والخامسة ، والثامنة ، والتاسعة ، والثانية عشرة) ، وكانت مجمل الآراء في المسألة ترجع إلى ثلاثة أقوال :
الأول : التمسك بالأصل من وجوب رد المثل ، مهما كان حجم الانخفاض في قيمة العملة ما دام التعامل بهذه العملة جارياً بين الناس .
وقد اختار هذا القول كثير من العلماء المعاصرين ، منهم : الشيخ ابن باز ، والشيخ ابن عثيمين ، والشيخ الصديق محمد الأمين الضرير ، والشيخ علي السالوس ، وعليه فتوى اللجنة الدائمة.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: يجب على المقترض أن يدفع الجنيهات التي اقترضها وقت طلب صاحبها ، ولا أثر لاختلاف القيمة الشرائية ، زادت أو نقصت. انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (14/146) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إذا كانت الفلوس قد ألغيت واستبدلت بعملة أخرى: فله أن يطالب بقيمتها في ذلك الوقت أو بقيمتها حين ألغيت، وأما إذا بقيت العملة على ما هي عليه فليس للمُقرض إلا هذه العملة؛ سواء زادت أم نقصت ... [ كما] لو أقرضه صاعاً من البر قبل سنوات وكان الصاع يساوي خمسة ريالات ثم نزل إلى ريالين مثلاً ، فهل يقول أعطه الصاع وأعطه ثلاثة ريالات ، لا ليس له إلا الصاع ، فالأشياء المثلية لا يلزم فيها إلا رد المثل، وكذلك النقود ما لم تلغ المعاملة بها. انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (72/9، بترقيم الشاملة آليا) .
القول الثاني : وجوب رد قيمة العملة وقت نشوء الالتزام [أي : وقت أخذ الدين] (إما من خلال مراعاة القوة الشرائية للنقود، أو مراعاة قيمة النقود بالذهب وقت الدين).
وقال بهذا القول كثير من العلماء والباحثين المعاصرين ، ومنهم : الشيخ الألباني ، والشيخ مصطفى الزرقا ، والشيخ عبد الله البسام ، والشيخ محمد سليمان الأشقر ، والشيخ عبد الرحمن البراك ، والشيخ محمد المختار السلامي ، والشيخ علي القرة داغي ، والشيخ وهبة الزحيلي .
القول الثالث : أن يؤخذ في مثل هذه الحالات بمبدأ الصلح الواجب، بعد تقدير أضرار الطرفين (الدائن والمدين) ، أي : يتم التراضي بينهما على مبلغ يدفعه المدين .
ينظر : " مجلة مجمع الفقه الإسلامي" الأعداد ( 3 ، 5، 8، 9 ، 12) .
وأما بالنسبة لسرقة الخاتمين: فالواجب عليك رد مثليهما لصاحبه إن تمكنت من ذلك، وإلا فالواجب حينئذ أن تدفعي قيمة الخاتمين يوم السرقة من عملة البلد الذي حصلت فيه السرقة، ولا يجب عليك غير ذلك بناء على قول جمهور العلماء من اعتبار قيمة المسروق وقت السرقة. كما جاء في الفتويين التاليتين: 95304 ، 140587.
والله أعلم.