عنوان الفتوى : النار التي رءاها موسى عليه السلام، هل هي نور الله تعالى؟
قرأت في التفسير أن النار التي رءاها موسى عليه السلام في الموقف الذي كلمه فيه الله سبحانه وتعالى أنها نور رب العالمين، وقد أشكل علي هذا، حيث إن الله هو العلي الأعلى ليس في ذاته شيء من خلقه، ونوره هو صفته القائمة به، فآمل توضيح هذا الأمر.
الحمد لله.
نقل المفسرون في تفسير قوله تعالى:
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ، فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ النمل/7 - 8.
أن النار التي رءاها موسى عليه السلام أثناء رجوعه إلى مصر، كانت في حقيقتها نورا.
قال البغوي رحمه الله تعالى:
" ومذهب أكثر المفسرين أن المراد بالنار النور، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا " انتهى من "معالم التنزيل"(6/144).
ونسب إلى بعض السلف أنها: " نور الله تعالى".
قال الواحدي رحمه الله تعالى:
" وروي أيضا عن جماعة من أهل التفسير أنهم قالوا: ( مَنْ فِي النَّارِ ) نور الله " انتهى من "البسيط" (17/168).
كمثل ما روى عبد الرزاق في "التفسير" (2 / 472) عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ، قَالَ: "نُورُ اللَّهِ بُورِكَ".
والنور - في هذا الوجه من التفسير - لا يحمل على أنه صفة ذات الله تعالى؛ لقوله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ الأعراف/143.
وإنما يحمل على أنه نور حجابه سبحانه وتعالى.
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: "قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ - وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: النَّارُ - لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ رواه مسلم (179)، وابن ماجه (196)، وعنده: ثُمَّ قَرَأَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ النمل/8.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ... ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات فقال: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور - أو النار - لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه ).
فهذا الحديث فيه ذكر حجابه. فإن تردد الراوي في لفظ (النار) و(النور): لا يمنع ذلك، فإن مثل هذه النار الصافية التي كلم بها موسى: يقال لها : نار، ونور، كما سمى الله نار المصباح نورا، بخلاف النار المظلمة كنار جهنم؛ فتلك لا تسمى نورا " انتهى من"مجموع الفتاوى" (6 / 387).
وقال الشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي رحمه الله تعالى:
" وقوله: "ثم قرأ أبو عبيدة إلخ" : أي إشارة إلى أن النار التي رءاها موسى عليه السلام في تلك الشجرة ، هي من نور الله تعالى، التي من جملة حجابه، وليس نارا حقيقةً " انتهى من "مشارق الأنوار" (4 / 156).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (335083)، ورقم:(261590)، ورقم : (302661).
والله أعلم.