عنوان الفتوى : هل اتهام غالب نساء المجتمع بالفساد الأخلاقي من القذف؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

كنت في الجامعة، وذهبت إلى أصحابي، وفتحت موضوعا من موضوعات المجتمع معهم، وكنت لا أنوي قذف المحصنات الغافلات، ولا نية لدى، وفتحت مع أناس آخرون هذا الموضوع، فأحد من أصحابي قال لي: إنك قذفت محصنات ونساء المسلمات، ثم سكت، وقال لي: ما هو دليلك، قلت لا أدري، لكن أنا لا أعرف ما الذنب الكبير الذي اقترفته، الذي قلته لهم: بأن في هذا المجتمع نساء يصاحبون الرجال، والعلاقة ليست الزنا، وقلت إنهم يشاهدون ما حرم الله تعالى، وذكرت أشياءا مثل هذه، وأنا لا أعلم، ولا أنوي ما أقول، ولكن عممت على ٦٠٪ من نساء هذا المجتمع، وأخبرتهم أنهم يفعلون مثل ما نفعل، هذا كل ما حصل. فهل قذفت المحصنات الغافلات؟ وإن قذفتهن وأنا لا أدري فهل لي توبة؟ وما هي التوبة؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله.

أولا:

لا يجوز تعميم السب على مجتمع أو بلدة، ولا على 60% منه؛ لما روى ابن ماجه (3761) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ فِرْيَةً لَرَجُلٌ هَاجَى رَجُلًا، فَهَجَا الْقَبِيلَةَ بِأَسْرِهَا، وَرَجُلٌ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ وَزَنَّى أُمَّهُ) وصحه الألباني في " صحيح ابن ماجه".

وفي تعميم السب ظلم ولا شك، ومن الذي يملك أن يحصي الناس حتى يقول إن 60% يفعلون كذا أو يفعلن كذا.

ثم لا شك أن كثرة التحدث بمثل ذلك: من شأنه أن يهون المعصية في نفوس الناس، وإشاعة أمرها فيهم، أو النظر لعامة الناس، أو أكثرهم: بعين النقص والازدراء، والاعتقاد بأنهم هلكوا، عامتهم، أو أكثرهم، وضلوا عن السبيل، وهذه كلها مفاسد، نهى الشرع عنها.

روى مسلم (2623) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ : هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ) .

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(145473)، ورقم:(220482). 

ثانيا:

قولك: "إن نساء هذا المجتمع يصاحبن الرجال، ويقمن علاقة ليست زنا، وإنهن يتفرجن على ما حرم الله" : ليس قذفا، فالقذف هو الرمي بالزنا أو اللواط.

قال في "منار السبيل"(2/372):" باب حد القذف: وهو: الرمي بالزنى، وهو من الكبائر المحرمة، لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" متفق عليه...

 وإنما يجب بشروط تسعة:

أربعة منها في القاذف. وهو: أن يكون: بالغا، عاقلا، مختارا، فلا حد على صغير، ومجنون، ونائم، ومكره، لحديث "رفع القلم عن ثلاثة"...

وخمسة في المقذوف. وهو كونه: حرا، مسلما، عاقلا، عفيفا عن الزنى يطأ ويوطأ مثله، لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الآية، مفهومه أنه لا يجلد بقذف غير المحصن.

والمحصن هو المسلم الحر العاقل العفيف عن الزنى، فلا يجب الحد على قاذف الكافر والمملوك والفاجر، لأن حرمتهم ناقصة، فلم تنهض لإيجاب الحد...

ومن قذف أهل بلدة أو جماعة لا يتصور الزنى منهم: عُزِّر، ولا حد)؛ لأنه لا عار عليهم بذلك، للقطع بكذب القاذف" انتهى.

فما دمت لم تتهم النساء بالزنا، فليس هذا قذفا صريحا.

وهناك ألفاظ تحتمل الزنا وغيره، وهي ألفاظ الكناية، فمن أتى بها، أثم، ثم إن فسرها بتفسير يحتمل غير القذف، فإنه يُعزر ولا يحد حد القذف، وذلك كقوله: مخنث وفاجرة، فإن قال: أردت بالمخنث المتطبع بطبائع التأنيث، وبالفاجرة الكاذبة مثلا، لم يحد، لكنه عصى بذلك، فاستحق التعزير.

والواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من إطلاقك السب والقدح لـ60% من نساء المجتمع، وأن تحفظ لسانك، وتحذر من مغبة إطلاقه في أعراض الناس.

قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/18، وقال صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري (6478) ومسلم (2988).

والله أعلم.