عنوان الفتوى : ما هي حكمة تحريم ربا الفضل؟ وما هي أشكاله المعاصرة؟
ما هي حكمة تحريم ربا الفضل؟ وما هي أشكاله المعاصرة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالعلة لتحريم ربا الفضل -كما قال أهل العلم- هو كونه وسيلة لربا النسيئة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: رِبَا الْفَضْلِ إنَّمَا حُرِّمَ؛ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى رِبَا النَّسِيئَةِ، فَالرِّبَا الْمَقْصُودُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ هُوَ رِبَا النَّسِيئَةِ ... اهـ.
وفصل ذلك بصورة أوضح الإمام ابن القيم في كتابه: أعلام الموقعين، فقال: حَرَّمَ التَّفْرِيقَ فِي الصَّرْفِ، وَبَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِمِثْلِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَرِيعَةً إلَى التَّأْجِيلِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ بَابِ الرِّبَا، فَحَمَاهُمْ مِنْ قُرْبَانِهِ بِاشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي الْحَالِ، ثُمَّ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ فِيهِمْ التَّمَاثُلَ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، حَتَّى لَا يُبَاعَ مُدٌّ جَيِّدٌ بِمُدَّيْنِ رَدِيئَيْنِ، وَإِنْ كَانَا يُسَاوِيَانِهِ؛ سَدًّا لِذَرِيعَةِ رِبَا النَّسَاءِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الرِّبَا، وَأَنَّهُ إذَا مَنَعَهُمْ مِنْ الزِّيَادَةِ مَعَ الْحُلُولِ حَيْثُ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي مُقَابَلَةِ جَوْدَةٍ، أَوْ صِفَةٍ، أَوْ سِكَّةٍ، أَوْ نَحْوِهِمَا، فَمَنْعُهُمْ مِنْهَا حَيْثُ لَا مُقَابِلَ لَهَا إلَّا مُجَرَّدُ الْأَجَلِ أَوْلَى؛ فَهَذِهِ هِيَ حِكْمَةُ تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ الَّتِي خَفِيَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا يَتَبَيَّنُ لِي حِكْمَةُ تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِعُ هَذِهِ الْحِكْمَةَ بِعَيْنِهَا؛ فَإِنَّهُ حَرَّمَهُ سَدًّا لِذَرِيعَةِ رِبَا النَّسَاءِ، فَقَالَ فِي حَدِيثِ تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ: «فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّمَا»، وَالرِّمَا هُوَ الرِّبَا، فَتَحْرِيمُ الرِّبَا نَوْعَانِ: نَوْعٌ حُرِّمَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ، وَهُوَ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَنَوْعٌ حُرِّمَ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ، وَسَدًّا لِلذَّرَائِعِ؛ فَظَهَرَتْ حِكْمَةُ الشَّارِعِ الْحَكِيمِ، وَكَمَالُ شَرِيعَتِهِ الْبَاهِرَةِ فِي تَحْرِيمِ النَّوْعَيْنِ، وَيَلْزَمُ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الذَّرَائِعَ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِسَدِّهَا أَنْ يُجْعَلَ تَحْرِيمُ رِبَا الْفَضْلِ تَعَبُّدًا مَحْضًا، لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. اهـ.
وقال شيخ الإسلام أيضًا: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ أَشْيَاءَ مِنْهَا مَا يَخْفَى فِيهَا الْفَسَادُ؛ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْفَسَادِ الْمُحَقَّقِ، كَمَا حَرَّمَ قَلِيلَ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا، مِثْلُ: رِبَا الْفَضْلِ؛ فَإِنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ قَدْ تَخْفَى، إذْ عَاقِلٌ لَا يَبِيعُ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ إلَّا لِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ، مِثْلُ كَوْنِ الدِّرْهَمِ صَحِيحًا، وَالدِّرْهَمَيْنِ مَكْسُورَيْنِ، أَوْ كَوْنِ الدِّرْهَمِ مَصُوغًا، أَوْ مِنْ نَقْدٍ نَافِقٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ.
وصوره في هذا العصر كثيرة: منها: استبدال عشرة دراهم ورقية مثلًا بتسع معدنية، أو العكس.
ومنها: شراء الشيك المتأخر الاستحقاق بأقل من قيمته، وهذا في الحقيقة شراء نقد بنقد مع النسيئة والفضل، فيكون بذلك قد جمع بين ربا الفضل وربا النسيئة.
ومنها: مبادلة الذهب القديم بالذهب الجديد مع اختلاف الوزن، ولو حصل التقابض في المجلس، وغير ذلك من الصور.
والله تعالى أعلم.