عنوان الفتوى : معنى كتاب أنزله الله
نؤمن بكتب الله كلها: تفصيلا بالتي ذكرها سبحانه وتعالى، وإجمالا بالتي لم يذكرها، وأنه أُنزل مع كل رسول كتاب. لكن لماذا نقول إنه كتاب أنزله الله، مع أنه ربما أَنزل بواسطة ملكٍ كلاما، أو يُكلم اللهُ الرسولَ تكليما، ولم ينزل كتابا مكتوبا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس هناك ما يمنع إطلاق اسم الكتاب على الكلام المنزل بواسطة الملك؛ فإن الكتاب يشمل الكلام المجموع بالخط واللفظ.
فقد قال الراغب في المفردات في غريب القرآن: الكتب: ضم أديم إلى أديم بالخياطة، يقال: كتبت السقاء، وكتبت البغلة: جمعت بين شفريها بحلقة، وفي التعارف ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط، وقد يقال ذلك للمضموم بعضها إلى بعض باللفظ، فالأصل في الكتابة: النظم بالخط، لكن يستعار كل واحد للآخر، ولهذا سمي كلام الله- وإن لم يكتب- كتابا كقوله: ألم ذلك الكتاب [البقرة/ 1- 2] ، وقوله: قال إني عبد الله آتاني الكتاب [مريم/ 30]. والكتاب في الأصل مصدر، ثم سمي المكتوب فيه كتابا، والكتاب في الأصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيه، وفي قوله: يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء [النساء/ 153]، فإنه يعني صحيفة فيها كتابة، ولهذا قال: ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس.... الآية [الأنعام/ 7] .... اهـ.
ومن المعلوم أن بعض الكتب نزل على شكل رسالة مكتوبة، كما في الألواح التي كتبت فيها التوراة، كما قال تعالى: وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ {الأعراف:145}، وقال تعالى: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأعراف:150}.
وبعضها نزل بشكل كلام مسموع، حيث يلقي الملك الوحي على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ويقرؤه عليه، وقد ثبت في القرآن ما يفيد إطلاق الكتاب على الوحي المنزل بواسطة جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن جبريل كان ينزل به شيئا فشيئا، وأن جبريل سمعه من الله تعالى؛ لقوله تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ {النحل:102}، وقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ {الشعراء:192- 195}.
والقرآن الكريم في الأصل كتاب مكتوب في اللوح المحفوظ، كما قال تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ {البروج: 21ـ22}. وقال عز وجل: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ {الواقعة: 77ـ 78}. وقال سبحانه: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ {الزخرف: 4}.
قال ابن كثير: وإنه أي: القرآن في أم الكتاب، أي: اللوح المحفوظ، قاله ابن عباس ومجاهد. اهـ.
والله أعلم.