عنوان الفتوى : جده ضعيف السمع والبصر، فهل يمنعه من حضور صلاة الجماعة؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

جدي كبير في العمر، ولديه ضعف في النظر والسمع، ومع ذلك يصر على الذهاب للمسجد، والمشكلة أنه لا يستطيع أن يسمع الإمام، فعند السجود مثلاً لا يستطيع سماع الإمام وهو يقول الله أكبر، فيقوم برفع رأسه، ويلتفت لكي يتأكد هل قام الإمام أم لا، وفي بعض الأحيان يسجد قبل الإمام، ويلتفت كثيرا؛ لكي يتأكد، ففي بعض الأحيان عندما يسألني عن الإقامة، فأقول له: لقد أقام؛ لكي يصلي في البيت، ولا يذهب للمسجد، علما إنه يسأل عن المسجد الذي بالقرب منا، وأنا عندما أجيب عليه أقصد المسجد البعيد منا، حيث بينهما اختلاف بضع دقائق في الإقامة. فهل هذا كذب؟ وكيف أمنع جدي من الذهاب إلى المسجد، علما إنه عنيد بعض الشيء؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله.

سبق في الموقع بيان أن التورية والمعاريض جائزة لجلب مصلحة راجحة أو دفع مفسدة راجحة.

وهذا في جواب السؤال رقم (27261)، ورقم (154955).

لكن ما ذكرته عن جدك ليس فيه ما يدعو إلى جواز الكذب عليه، وإعاقته عن حضور الجماعة. 

فالتفاته في الصلاة ببصره يمينا أو شمالا لأجل الحاجة لا يبطل صلاته، بل ولا يكره في حقه.

عَنْ سَهْلِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ، قَالَ: "ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ - يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ -، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ"، رواه أبو داود (916)، وقَالَ أَبُو دَاوُدَ: " وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَى الشِّعْبِ مِنَ اللَّيْلِ يَحْرُسُ." وصححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في "إرواء الغليل" (2 / 90 – 91).

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

"ويكره أن يلتفت في الصلاة لغير حاجة؛ لما روت عائشة، - رضي الله عنها - قالت: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ..."

ولأنه يشغل عن الصلاة، فكُره، كالنظر إلى الثوب أو الخميصة. 

فإن كان لحاجة لم يكره؛ لما روى أبو داود، عن سهل بن الحنظلية، قال: (ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ)، قال أبو داود: وكان أرسل فارسا إلى الشعب يحرس.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ) رواه النسائي.

ولا تبطل الصلاة بالالتفات إلا أن يستدير بجملته عن القبلة، أو يستدبر القبلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وبهذا قال أبو ثور. قال ابن عبد البر: وجمهور الفقهاء على أن الالتفات لا يفسد الصلاة إذا كان يسيرا " انتهى من"المغني" (2 / 391 - 392).

وأما رفع المأموم لرأسه من السجود لظنه أن الإمام رفع رأسه فهذا لا يبطل الصلاة، لكن يجب عليه أن يعود للسجود ليرفع بعد الإمام.

كما يدل على هذا حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا، قَالَ أَبِي: فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ، قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ، قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ  رواه النسائي (1141)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن النسائي" (1 / 371).

قال الشيخ محمد بن علي الأثيوبي رحمه الله تعالى:

" في فوائده:...

ومنها: عدم بطلان صلاة المأموم برفع رأسه قبل الإمام ظنا منه أنه رفع، أو لغير ذلك، إذا عاد إلى المتابعة." انتهى من"ذخيرة العقبى" (14 / 39).

وما أفاده هذا الحديث هنا، قد نص عليه غير واحد من السلف، الصحابة فمن بعدهم. 

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لا تبادروا أئمتكم بالركوع، ولا بالسجود، وإذا رفع أحدكم رأسه والإمام ساجد فليسجد، ثم ليمكث قدر ما سبق به الإمام".

وقال عمر رضي الله عنه: "من رفع رأسه قبل الإمام فليعُد، وليمكث حتى يرى أنه أدرك ما فاته". 

انظر: "المصنف" لابن أبي شيبة (3/484-485). 

قال ابن المنذر: "وممن رأى أن يرجع راكعا أو ساجدا إذا رفع رأسه قبل الإمام مالك بن أنس، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وقال الأوزاعي: فليعد رأسه فإذا رفع الإمام رأسه فليمكث بعده بقدر ما نزل.. 

وكان أبو ثور يقول: إذا ركع قبل الإمام فيدركه الإمام وهو راكع ويسجد قبله فقد أساء ويجزيه. 

وحكي عن الشافعي أنه قال: يجزيه وأكرهه. 

وقال سفيان الثوري فيمن ركع قبل الإمام: ينبغي له أن يرفع رأسه ثم يركع. 

قيل له: أيعيد؟ قال: ومن يسلم من هذا؟" انتهى من "الأوسط" لابن المنذر (4/218). 

وأولى لك من أن تخبر جدك بغير الحقيقة، ولو تعريضا، أو تثبطه عن حضور الجماعة، أن تعينه أنت وإخوانك، أو من حولك من أولاده وأحفاده، على هذه الشعيرة العظيمة، ثم تعينوه على تجاوز مشكلة السمع، بأن تحضروا له سماعة طبية، إن كانت حالته تلائم ذلك، وينتفع بها، ولو في وقت الصلاة. 

وبإمكانك أن تعلمه طريقة رفع الإمام، بأن تنبهه وأنت بجانبه في الصلاة بوكزة خفيفة، تتفق معه عليها؛ أنك متى فعلت ذلك، فقد رفع الإمام من سجوده، ونحو ذلك. 

ولو لم تفعل، حتى بقي على حاله التي ذكرت، فلا حرج عليه، كما سبق بيانه. 

فالحاصل؛ أنه لا يجوز أن تعيق جدك عن حضور صلاة الجماعة؛ بل عليك أن تعينه وترشده إلى ما يسهّل عليه سماع صلاة الإمام ومتابعته، بإرشاده إلى التبكير إلى الجماعة حتى يقترب من الإمام أو من مكبر الصوت إن وجد، وأن ترافقه إن استطعت فترشده وتعينه.

والله أعلم.