عنوان الفتوى : ما معنى الظن في القرآن وما تفسير قول الضحاك (كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين)؟
ورد عن الضحاك أنه قال: " كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك"، وقرأت في تفسير (فظنوا أنهم مواقعوها) أن الظن هنا معناه اليقين، فكيف نوفق بينهما؟ كذلك هل هناك تعارض مع (وما أظن الساعة قائمة)؟
الحمد لله.
أولا:
معنى الظن في القرآن
وردت مادة (ظن) في القرآن الكريم في نحو ستين موضعاً، وقد جاء الظن فيها على عدة معان:
الأول: بمعنى اليقين، ومنه قوله تعالى: الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم، قال القرطبي في تفسيره (1/ 375): "والظن هنا في قول الجمهور: بمعنى اليقين." انتهى.
وقال أبو حيان في تفسيره (1/ 300): "ويظنون معناه: يوقنون، قاله الجمهور، لأن من وصف بالخشوع لا يشك أنه ملاق ربه.
ويؤيده: أن في مصحف عبد الله الذين يعلمون." انتهى.
فالسياق هو الذي يبين هل الظن بمعنى اليقين، أو الشك.
ومنه قوله تعالى: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ) الجن/12، قال القرطبي (19/ 16): "الظن هنا بمعنى العلم واليقين." انتهى.
وكذلك قوله تعالى: (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ) الحاقة/20.
قال الطبري (23/ 585): "يقول: إني علمت أني ملاق حسابيه، إذا وردت يوم القيامة على ربي." انتهى.
ومنه وقوله سبحانه: (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ) القيامة/28.
الثاني: بمعنى الشك، من ذلك قوله: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ البقرة/78.
قال أبو حيان بعد أن نقل أقوالاً في معنى (الظن) هنا: "وقال آخرون: يشكون".
الثالث: بمعنى التهمة، ومنه قوله تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ الفتح/6.
قال ابن كثير (7/ 329): "أَيْ: يَتَّهِمُونَ اللَّهَ فِي حُكْمِهِ، وَيَظُنُّونَ بِالرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ أَنْ يُقْتَلُوا وَيَذْهَبُوا بِالْكُلِّيَّةِ." انتهى.
الرابع: بمعنى الوهم والتوهم، ومنه قوله سبحانه: وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ الجاثية/32.
قال ابن كثير (7/ 272): "أي: إن نتوهم وقوعها إلا توهماً، أي: مرجوحاً." انتهى.
الخامس: بمعنى الحسبان، ومنه قوله تعالى: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا الجن/5.
قال ابن كثير (8/ 237): "أي: ما حسبنا أن الإنس والجن يتمالؤون على الكذب على الله في نسبة الصاحبة والولد إليه." انتهى.
السادس: الاعتقاد الخاطئ، كما في قوله تعالى: فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ الصافات/87.
قال ابن عاشور: "أريد بالظن الاعتقاد الخطأ، وسمي ظنا لأنه غير مطابق للواقع، ولم يسمه علما؛ لأن العلم لا يطلق إلا على الاعتقاد المطابق للواقع...
وكثر إطلاق الظن على التصديق المخطئ، والجهل المركب، كما في قوله تعالى: (إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) في سورة الأنعام [116]. وقوله: (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) [يونس: 36]. وقول النبيء صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن أكذب الحديث.
والمعنى: أن اعتقادكم في جانب رب العالمين جهل منكر ." انتهى من "التحرير والتنوير"(23/ 140).
وينظر للفائدة: "المفردات في غريب القرآن" للراغب الأصفهاني (539-540).
ثانيا:
المراد بقول الضحاك: كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين ومن الكافر فهو شك.
ما جاء عن الضحاك: كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك. "تفسير القرطبي" (18/ 270) معناه الإخبار عن ظن المؤمن أو الكافر عن اعتقادهم في ربهم، وفي أمور الغيب: في الدنيا، فلا يعارض هذا ما في قوله تعالى: (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا) الكهف/3 ؛ فالظن هنا بمعنى اليقين، وهو إخبار عن ظنهم وهم في دار الآخرة، لا في الدنيا.
وقد أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) قال: ما كان من ظنّ الآخرة، فهو علم. "تفسير الطبري" (23/ 585).
ثالثا:
ما ورد في قول صاحب الجنة في سورة الكهف: (وما أظن الساعة قائمة)
ولا إشكال في قوله تعالى: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً الكهف/36: فهذا ظن الكافر في الدنيا، وهو بمعنى الشك.
والدليل على كفره قوله تعالى: وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا .
رابعا:
ضوابط الفرق بين الظن بمعنى اليقين والظن بمعنى الشك
قد وضع الزركشي رحمه الله ضابطين للتفريق بين الظن الذي بمعني اليقين والظن بمعنى الشك، فقال:
"وللفرق بينهما في القرآن ضابطان:
أحدهما: أنه حيث وجد الظن محمودا مثابا عليه؛ فهو اليقين، وحيث وجد مذموما متوعدا بالعقاب عليه فهو الشك.
الثاني: أن كل ظن يتصل بعده "أن" الخفيفة فهو شك، كقوله: إن ظنا أن يقيما حدود الله وقوله: بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول.
وكل ظن يتصل به أن المشددة، فالمراد به اليقين، كقوله: إني ظننت أني ملاق حسابيه، وظن أنه الفراق.
والمعنى فيه: أن المشددة للتأكيد، فدخلت على اليقين، وأن الخفيفة بخلافها؛ فدخلت في الشك.
مثال الأول، قوله سبحانه: وعلم أن فيكم ضعفا ذكر بـ" أن" وقوله: فاعلم أنه لا إله إلا الله.
ومثال الثاني: وحسبوا ألا تكون فتنة والحُسبان: الشك.
فإن قيل: يرد على هذا الضابط قوله تعالى: وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه.
قيل: لأنها اتصلت بالفعل.
فتمسك بهذا الضابط فإنه من أسرار القرآن." انتهى من "البرهان في علوم القرآن" (4/ 156).
وقوله في الجواب: "قيل لأنها اتصلت بالفعل": مراده: أن (أنْ) الخفيفة، التي حملت (ظن) معها على الشك: جاءت قبل (فعل)، مثل: يقيما، ينقلب... وأما الآية المذكورة (وظنوا أن لا ملجأ..) ؛ فإنما وليها اسم (ملجأ)، فليست واردة على الضابط المذكور.
وينظر: "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي (2/226).
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |