عنوان الفتوى : هل يثبت الإسلام للكافر الأصلي أو المرتد مع بقائه على شيء من الكفر ؟
شكرا جزيلا لردكم في الفتوى 332069، لدي استشكال، قلتم: الإتيان بالشهادتين: توبة من الكفر، بشرط الإقلاع عن المكفّر، وعدم البقاء عليه اختيارا، ولكني أسألكم بالنسبة لتوبة الكافر الأصلي، دائما ما أجد الشيخ يطلب من الشخص الكافر أن ينطق الشهادتين، وبهذا يعتبره دخل في الإسلام، دون أن يسأله عن باقي أفعاله، وقد يكون هذا الكافر الأصلي الذي أسلم مستمرا في أفعال كُفرية من حياته السابقة، كالاستمرار في الاحتفاظ بصنم، أو كالاستمرار في الانتماء لمجموعة معينة، ولم أسمع شيخا عالما يقول للكافر الأصلي الذي أسلم: راجع كل شيء في حياتك؛ لتتأكد أنك غير مقيم على كُفر من حياتك السابقة كي تصبح مؤمنا مسلما أمام الله والناس. وأنا أعلم أن توبة المرتد كتوبة الكافر الأصلي. فأسألكم الرد.
الحمد لله.
أولاً:
هل صيغة الشهادتين للدخول في الإسلام تختلف باختلاف حال الكافر؟
الكافر الأصلي إذا أراد الدخول في الإسلام، فقد يكفيه قول الشهادتين، وقد لا يكفيه بل يلزمه أن يضم إليهما البراءة مما عليه من كفر آخر، كما لو كان يعتقد ألوهية عيسى عليه السلام أو بنوته، أو ينكر البعث، أو يعتقد أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم للعرب خاصة، أو غير ذلك مما هو كفر. وهذا مشتهر في كلام الفقهاء.
قال النووي رحمه الله: "فصل فيما تحصل به توبة المرتد، وفي معناها إسلام الكافر الأصلي:
وقد وصف الشافعي رضي الله عنه توبته فقال: أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويبرأ من كل دين خالف الإسلام، وقال في موضع: إذا أتى بالشهادتين، صار مسلما.
وليس هذا باختلاف قولٍ، عند جمهور الأصحاب، كما ذكرنا في كتاب الظهار، بل يختلف الحال باختلاف الكفار وعقائدهم.
قال البغوي: إن كان الكافر وثنيا أو ثنويا لا يقر بالوحدانية، فإذا قال: لا إله إلا الله، حكم بإسلامه، ثم يجبر على قبول جميع الأحكام.
وإن كان مقرا بالوحدانية، منكرا نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، لم يحكم بإسلامه حتى يقول مع ذلك: محمد رسول الله.
فإن كان يقول: الرسالة إلى العرب خاصة، لم يحكم بإسلامه حتى يقول: محمد رسول الله إلى جميع الخلق، أو يبرأ من كل دين خالف الإسلام.
وإن كان كفره بجحود فرض، أو استباحة محرم، لم يصح إسلامه حتى يأتي بالشهادتين، ويرجع عما اعتقده" انتهى من "روضة الطالبين" (10/ 82).
ونقل الحافظ ابن حجر رحمه الله كلام البغوي في "فتح الباري" (12/ 279).
وقال ابن قدامة رحمه الله في ثبوت الإسلام بالشهادتين: إنه "محمول على من كفر بجحد الوحدانية، أو جحد رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - أو جحدهما معا.
فأما من كفر بغير هذا، فلا يحصل إسلامه إلا بالإقرار بما جحده.
ومن أقر برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأنكر كونه مبعوثا إلى العالمين، لا يثبت إسلامه حتى يشهد أن محمدا رسول الله إلى الخلق أجمعين، أو يتبرأ مع الشهادتين من كل دين يخالف الإسلام.
وإن زعم أن محمدا رسول مبعوث بعدُ، غير هذا، لزمه الإقرار بأن هذا المبعوث هو رسول الله؛ لأنه إذا اقتصر على الشهادتين، احتمل أنه أراد ما اعتقده.
وإن ارتد بجحود فرض، لم يسلم حتى يقر بما جحده، ويعيد الشهادتين؛ لأنه كذب الله ورسوله بما اعتقده.
وكذلك إن جحد نبيا، أو آية من كتاب الله تعالى، أو كتابا من كتبه، أو ملكا من ملائكته الذين ثبت أنهم ملائكة الله، أو استباح محرما، فلا بد في إسلامه من الإقرار بما جحده" انتهى من "المغني" (9/ 21).
فهذا معلوم مستفيض في كلام أهل العلم، ولهذا يلقّن النصراني اليوم إذا أراد الإسلام أن يقول بعد الشهادتين: وأن عيسى عبد الله ورسوله، ويلقّن من يعبد بوذا أن يقول: وأن بوذا عبد لله.
ثانيا:
الحكم بإسلام الشخص في الظاهر
كلام الفقهاء هذا في الحكم بالإسلام ظاهرا، فمن عرفوا اعتقاده، طالبوه بما يخالف اعتقاده، كما تقدم، وليسوا مكلفين بالتفتيش عما لم يُعرف منه، كما لو كان وثنيا فأتى بالشهادتين، لكنه بقي يعبد صنما في بيته!
بل قد يقول الوثني الشهادتين وهو مكذب بالرسول باطنا، فيحكم بإسلامه في الظاهر، ويكون منافقا في الدرك الأسفل من النار.
وأما الحكم على الحقيقة فلا يختلف فقيه ولا مسلم: في أن من بقي مصرا على شيء من الكفر، أنه لا يكون مسلما، كما لو كان يضمر إنكار البعث أو يشك فيه، أو استمر على عبادة أصنامه.
ومن غيّر الديانة في الأوراق الرسمية إلى النصرانية أو اليهودية مثلا، فإنه يكون كافرا في الظاهر والباطن، ما لم يكن مكرها.
أما في الظاهر فلأنه أتى مكفرا، وهو قوله عن نفسه إنه كافر، ومن فعل ذلك بعد إسلامه صار مرتدا، ولا تقبل توبته ظاهرا إلا بترك الكفر.
وأما في الباطن فلأنه واقع في الكفر، ولن تقبل توبته فيما بينه وبين الله إلا بترك هذا الكفر.
وينظر: للفائدة جواب السؤال رقم: (179859)، ورقم: (268494).
والله أعلم.