عنوان الفتوى : أحوال محبة المخلوق والمقصود بشرك المحبة
قرأت أن شرك المحبة هو محبة ذات المخلوق، حيث إن المحبة للذات هي عبادة، والعبادة متى صرفت لغير الله أصبحت شركًا، فكيف تكون المحبة لذات الشخص؟ وكيف يُعرف أن الأمر وصل إلى محبة ذات أحدهم، والوقوع في الشرك؟ وهل تختلف عن المحبة الطبيعية، والمحبة التي تكون لأسباب، مثل أن يحب امرأة لجمالها، أو يحب صاحبه، وغيرها؟ وما حكم محبة نادي كرة وتشجيعه؟ وهل يصل الأمر إلى الشرك؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بشرك المحبة، أن يحب العبد غير الله كمحبة الله، أي: محبة عبودية وتعظيم.
أمّا المحبة الطبيعية: فليست من الشرك، بل بعضها مطلوب، وبعضها مباح، وبعضها محرم، وقد فصّل ابن القيم ـ رحمه الله ـ الكلام على هذه الأقسام في كتاب الروح، فقال:... قَالَ تَعَالَى: وَمن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله ـ وَهَؤُلَاء الْمُشْركُونَ يحبونَ أوثانهم وأصنامهم وآلهتهم مَعَ الله، كَمَا يحبونَ الله، فَهَذِهِ محبَّة تأله وموالاة، يتبعهَا الْخَوْف والرجاء، وَالْعِبَادَة وَالدُّعَاء، وَهَذِه الْمحبَّة هِيَ مَحْض الشّرك الَّذِي لَا يغفره الله...
وَالنَّوْع الثَّانِي: محبَّة مَا زينه الله للنفوس من النِّسَاء، والبنين، وَالذَّهَب، وَالْفِضَّة، وَالْخَيْل المسومة، والأنعام، والحرث، فيحبها محبَّة شَهْوَة، كمحبة الجائع للطعام، والظمآن للْمَاء، فَهَذِهِ الْمحبَّة ثَلَاثَة أَنْوَاع:
فَإِن أحبها لله توصلًا بهَا إِلَيْهِ، واستعانة على مرضاته وطاعته، أثيب عَلَيْهَا، وَكَانَت من قسم الْحبّ لله توصلًا بهَا إِلَيْهِ، ويلتذ بالتمتع بهَا، وَهَذَا حَالة أكمل الْخلق الَّذِي حبب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا: النِّسَاء، وَالطّيب، وَكَانَت محبته لَهما عونًا لَهُ على محبَّة الله، وتبليغ رسَالَته، وَالْقِيَام بأَمْره.
وَإِن أحبها لموافقة طبعه، وهواه، وإرادته، وَلم يؤثرها على مَا يُحِبهُ الله ويرضاه، بل نالها بِحكم الْميل الطبيعي، كَانَت من قسم الْمُبَاحَات، وَلم يُعَاقب على ذَلِك، وَلَكِن ينقص من كَمَال محبته لله، والمحبة فِيهِ.
وَإِن كَانَت هِيَ مَقْصُودَه، وَمرَاده، وسعيه فِي تَحْصِيلهَا، وَالظفر بهَا، وقدمها على مَا يُحِبهُ الله ويرضاه مِنْهُ، كَانَ ظَالِمًا لنَفسِهِ، مُتبعًا لهواه.
فقد بانت لك أحوال محبة المخلوق ومراتبها، سواء في ذلك الأشخاص أم نوادي الكرة وغيرها، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 453.
والله أعلم.