عنوان الفتوى : شهادة الكافر .. محل القبول والرفض
هل يستأنس بشهادة الكافر على المسلم في الجنايات؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكافر ليس أهلا لقبول الشهادة، ولا تقبل شهادته على مسلم، ولا يستأنس بها، بل هي غير معتبرة؛ إلا ما اختلف فيه بين العلماء، قال في بداية المجتهد: وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ، وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ، إِلَّا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ {المائدة: 106} الْآيَةَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَرَأَوْا أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ. انتهى.
وإذا كان من شرط الشاهد في الحدود والجنايات أن يكون عدلا، فإن كان فاسقا طرحت شهادته ولم يلتفت إليها، فأولى شهادة الكافر، وقد يستأنس بخبر الكافر إذا كان معتمدا على قرينة قوية لا على مجرد إخباره بالواقعة، وقد فصل ذلك الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ فقال ما عبارته: قوله: الرابع: الإسلام ـ أي: الشرط الرابع، فالإسلام شرط لقبول الشهادة، لأنه إذا كانت العدالة شرطاً فالإسلام أساس العدالة، ولهذا فإن الله تعالى دائماً يضيف الشهود إلى ضمير المخاطبين وهم المؤمنون فيقول: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ {البقرة: 282} وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ {الطلاق: 2} وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا {الحجرات: 6} وإذا كان الفاسق يجب علينا أن نتبين في خبره ولا نقبله، فما بالك بالكافر؟! فلا بد من أن يكون الشاهد مسلماً بدلالة القرآن والنظر الصحيح، لأن الكافر محل الخيانة، وهو غير مأمون، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ {آل عمران: 118} لاَ يَأْلُونَكُمْ ـ يعني لا يألونكم جهداً: خَبَالاً ـ يعني أن تقعوا في الخبال، وهو التصرف بغير عقل: وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ ـ ما شق عليكم، فالكفار يسعون بكل جهد أن يكون عملنا خبالاً ضائعاً لا خير فيه، فإذا كان الكافر مبرزاً في الصدق ـ والكافر قد يكون صدوقاً ـ فلا نقبل شهادته، فلو جاءت شهادة الكافر بواسطة التصوير، ككافر معه كاميرا وصوَّر المشهد، وأنا عندي أن التصوير في الواقع عرضٌ لصورة الحال، فلو أعطانا الصورة ولم يتكلم، فكأنه رفع لنا القضية برمتها، يعني رفع لنا صورة الواقع، فهنا لا نعتمد على خبره، بل نعتمد على الصورة التي أمامنا، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا {الحجرات: 6} ونحن إذا تبينا بواسطة الصورة فما المانع؟! فهذا كافر معه آلة فيديو، سلطها على هؤلاء القوم الذين يتقاتلون، وأعطانا الصورة، نراهم يتقاتلون بعضهم مع بعض، ونعرف وجوههم، ثم نقول: هذا غير مقبول، لأن الذي التقط الصورة كافر!! ونقول: هذا مقتضى دين الإسلام، أعوذ بالله لو نقول هذا الكلام صاحت علينا الأمم، ما هذا الدين الذي لا يقبل الحقائق المنقولة؟! إذاً شهادة الكافر إذا كانت مستندة على مجرد خبره فهي غير مقبولة لا شك وليس مؤتمناً، لكن إذا كان يصور لنا الواقع صورة لا ارتياب فيها، فنحن لا نقبل خبره هو، لكن نقبل الذي أمامنا. انتهى.
والله أعلم.