عنوان الفتوى : عهد لرهبان سيناء
هلْ صحيح أن هناك عَهدًا مكتوبًا من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للرُّهبان في طور سيناء ما زال موجودًا وهل هناك عهْد من عمر أيضًا لذلك؟
يقول الأستاذ حسن محمد قاسم: يُوجد في صحراء سيناء دير الروم الأرثوذكسي، بناه الإمبراطور ” جستنياس” سنة 545م، وهو في سفح قمة على أحد فروع وادي الشيخ ويعلو عن سطح الأرض بحوالي 5012 قدمًا ومساحة سور 85 × 75مترًا ويسكن فيه (1934م) ستون راهبًا يرأسهم مطران وله وكيل. وتوجد فيه صورة عهد قديم منسوب إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على زعْمهم ـ كتبه لهم في السنة الثانية للهجرة أمانًا لهم وللنصارى كافة، وأن السلطان سليم العثماني عند فتحه لمصر سنة 923هـ (1517م) أخذ منهم وحمله إلى المكتبة بالآستانة، وترك لهم صورة مع ترْجمتها باللغة التركية، وتوجد منها عدة صور بالعربية والتركية، بعضها منسوخ في كتاب صغير، وبعضها على رق غزال، وكل صورة منها تختلف بوضوح عن الأخرى.
ويلي هذا العهد عهد آخر نُسب إلي سيدنا عمر، وهو كالأول في بنايته، ولذلك أنكر بعض الباحثين صحة ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومنهم المحقق أحمد زكى باشا، وألقى في ذلك محاضرة في المؤتمر الدولي العام للمستشرقين.
ومما جاء في فاتحة هذا العهد عن أصح صورة عندهم وأقدمها: هذا كتاب كتبه محمد بن عبد الله إلى كافة الناس أجمعين بشيرًا ونذيرًا ومؤتَمنًا على وديعة الله في خلقه، لئلا يكون للناس على الله حُجَّة بعد الرسل وكان الله عزيزًا حكيمًا، كتبه لأهل مِلَّته ولجميع من ينتحِل دين النصرانية من مشارق الأرض ومغاربها. وجاء في آخره: وكتبَ عليُّ بْنُ أبي طالب هذا العهد بخطه في مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتاريخ الثالث من المحرم ثاني سني الهجرة، وذكر في أسماء الصحابة الذين وقَّعوا على هذا العهد: غاز بن ياسيني ـ معظم بن قرشي ـ عبد العظيم بن حسن ـ ثابت بن نفيس من أسماء أخرى.
وجاء في خاتمة العهد العمري: تمَّت وسُطرت هذه النسخة في ثاني رجب المُرجَّب سنة 968 (19 مارس 1561م) ما تضمنتْه هذه العُهدة تامة المنسوبة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في حق طائفة القسس والرهبان على وفق الشروط، والله أعلم بالصواب (الختم) طه بن محمد سعد.
نص العهد العمرى:
هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصُلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر مِلَّتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ولا خبزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم ولا يُضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية، كما يُعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوت، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويُخلي بِيَعَهم وصُلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعهم وَصُلبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومَن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان فمَن شاء منهم قعدوا عليه مثل ما قعدوا على أهل إيلياء من الجزية، ومَن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منه شيء حتى يحصد حصادهم. وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذِمة رسوله وذِمة الخلفاء وذِمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية، شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وكُتب وحُفر سنة خمس عشرة “مجلة الرسالة الإسلامية – بيروت في 26/2/1979م”.
يقول الأستاذ حسن محمد قاسم: وقد اختلق الرُّهبان هذه الأساطير لدَفْع الظُّلم عنْهم، وأيَّدوا ذلك بأربعة أسباب مهمة:
1- لُغَة العهد الأولى والثانية تختلف عن لُغة عصر النبوة، ففيها تراكيب لم تكن مألوفة حينذاك.
2- هي مُؤَرَّخة في السنة الثانية للهجرة، مع أن الهجرة لم يُؤرخ بها إلا في السنة الثانية عشرة، أي بعد وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسبع سنين، فضلاً عن أن بعض الشهود كأبي هريرة وأبي الدرداء لم يكونوا قد أسلموا في السنة الثانية للهجرة.
3- مُؤرِّخو الإسلام الذين أحصَوا كل آثار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يذْكروها ولم يُشيروا إليها، وغاية ما ورد وصية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقبط مصر.
4- ورود هذه الأسماء المجهولة في ذيل العُهدة، مع شهرة أسماء الصحابة.
هذا ما كتبه الأستاذ حسن محمد قاسم ونشره في مجلة الإسلام ـ العدد 45 من المجلد الثاني، ومهما يكن من شيء فإنَّ الإسلام دين السماحة كما هو معروف، يعامل اليهود والنصارى بالذات كأهل كتاب، أفضل من مُعاملة غيرهم، وقد أحلَّ للمسلمين أكل ذبائحهم وزواج نسائهم، كما نصَّت عليه الآية الخامسة من سورة المائدة، وكما هو موضَّح في عدة مواضع من هذه الفتاوى، ومن الثابت أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر بفتح مصر وأوصى بقبطها خيرًا فإن لهم ذِمَّة ورحمًا، والقول الفصل في معاملة غير المسلمين هو: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) (سورة التوبة:7)، ولا حاجة بعدما جاء في القرآن والسنة إلى مثل هذه العهود التي لم يَثْبُتْ صحتها.