عنوان الفتوى : هل استتيب أبو حنيفة رحمه الله من الكفر مرتين ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

سمعت أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى قد استتيب من الكفر مرتين، فهل هذا صحيح؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.

أولا:

الإمام أبو حنيفة مجتهد يصيب ويخطئ

الإمام أبو حنيفة رحمه الله أحد أئمة فقهاء الإسلام، والناس في الفقه عيال عليه، كما جاء عن الشافعي رحمه الله.

وقد انتقد عليه معاصروه ومن بعدهم من المتقدمين مسائل، كقوله في الإيمان ، وما نسب إليه من القول بخلق القرآن، وتقديم القياس على خبر الآحاد، وغير ذلك.

قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: "كثير من أهل الحديث استجازوا الطعن على أبي حنيفة، لرده كثيرا من أخبار الآحاد العدول، لأنه كان يذهب في ذلك إلى عرضها على ما اجتُمع عليه من الأحاديث، ومعاني القرآن؛ فما شذ عن ذلك رده، وسماه شاذا. وكان مع ذلك أيضا يقول: الطاعات من الصلاة وغيرها لا تسمى إيمانا، وكل من قال من أهل السنة الإيمان قول وعمل، ينكرون قوله، ويبدعونه بذلك. وكان مع ذلك محسودا، لفهمه وفطنته." انتهى من "الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء مالك والشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهم" ص149

المسائل التي انتقد فيها أبو حنيفة

وإليك بيان هذه المسائل الثلاث:

1- أما القول بخلق القرآن: فإنه لم يصح عنه رحمه الله.

قال الخطيب في "تاريخ بغداد" (15/ 516): "وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر المروذي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْد الله أَحْمَد بن حَنْبَل، يَقُولُ: لم يصح عندنا أَنَّ أَبَا حنيفة كَانَ يَقُولُ: القُرْآن مخلوق".

وفيه: "عن أَبِي يُوسُف، قَالَ: ناظرت أَبَا حنيفة ستة أشهر، حَتَّى قَالَ: من قَالَ: القُرْآن مخلوق فَهُوَ كافر." انتهى.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "إن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى، ويقولون إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ويقولون إن الله يرى في الآخرة.

هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم، وهذا مذهب الأئمة المتبوعين مثل مالك بن أنس والثوري والليث بن سعد والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق..." انتهى من "منهاج السنة النبوية" (2 /54).

2- وأما الإيمان وإخراجه العمل من الإيمان، فتلك بدعة الإرجاء التي أعظم السلف فيها النكير.

 وقد دافع ابن أبي العز الحنفي رحمه الله شارح العقيدة الطحاوية عن الإمام أبي حنيفة في هذا، وبين أن هذا القول منه لم يترتب عليه عنده فساد اعتقاد، كما وقع ذلك لغيره. ينظر "شرح الطحاوية" (1/333).

3- وأما رد كثير من الأحاديث، وتقديم القياس عليها، فذلك اجتهادا منه رحمه الله، لعدم صحة الحديث المعين عنده، أو معارضته - في نظره- لأدلة أخرى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قال أبو يوسف رحمه الله- وهو أجل أصحاب أبي حنيفة، وأول من لقب قاضي القضاة - لما اجتمع بمالك، وسأله عن هذه المسائل، وأجابه مالك بنقل أهل المدينة المتواتر؛ رجع أبو يوسف إلى قوله، وقال: لو رأى صاحبي مثل ما رأيت، لرجع مثل ما رجعت. فقد نقل أبو يوسف، أن مثل هذا النقل حجة عند صاحبه أبي حنيفة، كما هو حجة عند غيره، لكن أبو حنيفة لم يبلغه هذا النقل، كما لم يبلغه ولم يبلغ غيره من الأئمة كثير من الحديث؛ فلا لوم عليهم في ترك ما لم يبلغهم علمه. وكان رجوع أبي يوسف إلى هذا النقل، كرجوعه إلى أحاديث كثيرة اتبعها هو وصاحبه محمد، وتركا قول شيخهما؛ لعلمهما بأن شيخهما كان يقول: إن هذه الأحاديث أيضا حجة إن صحت، لكن لم تبلغه.

ومن ظن بأبي حنيفة أو غيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصحيح، لقياس أو غيره: فقد أخطأ عليهم، وتكلم إما بظن وإما بهوى." انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/ 304).

ثانيا:

كيف نتعامل مع أخطاء الإمام أبي حنيفة ؟

الصواب في التعامل مع هذه المسألة هو الإمساك عنها، وطي ما جاء فيها.

قال العلامة عبد الرحمن المعلمي رحمه الله في شأن من يثير مثل ذلك:

"وكان مقتضى الحكمة: اتباع ما مضى عليه أهل العلم منذ سبعمائة سنة تقريباً، من سدل الستار على تلك الأحوال، وتقارض الثناء." انتهى من "التنكيل" (1/101).

ولهذا لا تجد في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا تلميذه ابن القيم رحمه الله: التعليق على هذه المرويات، وإنما يكتفون بذكر إمامة أبي حنيفة رحمه الله وفضله.

وعلى هذا سار مشايخنا كالشيخ ابن باز رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

والواجب ألا يتابع أبو حنيفة رحمه الله في شيء مما نسب إليه من الخطأ، كمسألة الإيمان، وخلق القرآن، ورد خبر الواحد، ونحو ذلك؛ ولو كان هو معذورا في ذلك، أو لم يصح ما نسب إليه من ذلك.

والله أعلم.