عنوان الفتوى : الصبر، الصبر، تبلغا القصد
ابني عمره 18 سنة في الثانوية العامة منذ فترة ليست بالقليلة نهج أسلوب عدم الطاعة وعدم الانصياع للنصيحة بل أكثر وقته خارج المنزل مع أصحابه، وهم في الغالب أناس سيئون،لأنه يكذب إذا حدث، وتمتد يده إلى أي نقود لا تخصه، ويخلف كل وعد وعد به، والأكثر من ذلك اعتداؤه على والدته بالقول والفعل، وكثيرا ما قمت بنصيحته ونتيجة المستقبل الغير المبشر نتيجة عدم مذاكرته وعدم أدائه للصلاة ولا أنفي أنني كنت أعنفه كثيرا مع ضربه أحيانا. أرجو إسداء النصح له ولي جزاكم الله الخير كله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن تربية الأبناء مسؤولية عظيمة ومهمة جسيمة تقع على عاتق الوالدين، فهي تحتاج إلى كثير من التروي والحكمة، واستغلال ما يحدث من الأبناء من أخطاء للقيام بالنصح والتوجيه، وإن من أهم ما يكون عونًا للوالدين على النجاح في ذلك هو استغلال مرحلة الصغر. نقل ابن الحاج في المدخل عن ابن العربي قوله: اعلم أن الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورته، وهو قابل لكل نقش وقابل لكل ما يمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة. اهـ فالمقصود أن النشأة الصالحة يصبح كل كلام بعدها عند البلوغ مؤثرًا، وإذا فاتت صعب العلاج، ولكن ليس العلاج عندها بمستحيل، وإنما يحتاج إلى كثير من الصبر والتروي وعدم التسرع. لذا فإننا ننصح والد هذا الصبي الذي بلغ هذه السن بالرفق به، وأن يعامله معاملة الكبير، وأن يبذل إليه النصح من السبيل الذي يرجى أن يكون مؤثرًا عليه من صديق أو قريب أو عالم، وأن توصل إليه النصيحة بإسماعه المواعظ من طريق غير مباشر كجهاز التسجيل مثلاً، وأن تستغل الأحداث المؤثرة عليه من موت قريب أو صاحب. والمقصود مما ذكرنا الحكمة في علاجه، لأن التسرع والعصبية مع أمثاله قد تؤدي إلى أمور لا تحمد عقباها. ونقول لوالديه: الصبر، الصبر، تبلغا القصد، ودعاء الوالد للولد مستجاب بإذن الله . هذا فيما يتعلق بالوالدين. وأما هذا الصبي فننصحه بأن يتقي الله تعالى وأن يقف عند حدوده وأن يتذكر أنه لهذه الدنيا مفارق، ولربه ملاق، وعلى أعماله صغيرها وكبيرها محاسب، وهنالك إما شقاء وإما سعادة، إما جنة وإما نار. وليعلم أن ما هو عليه من أفعال هي من كبائر الذنوب، لا سيما ترك الصلاة فإنه كفر، فكيف يكون حاله إذا لقي ربه على ذلك؟! ثم ليعلم أن أعظم حق عليه بعد حق الله تعالى هو حق والديه، فقد قرن الله تعالى بينهما في كتابه فقال: وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيِّاه وَبِالوَالدَيْنِ إِحْسَانًا[الإسراء:23]، فهما السبب في وجوده وتعبا وسهرا من أجل تربيته، فإن لم يقابل هذا الفضل بالإحسان فلا يقابله بالإساءة إليهما وعقوقهما، وإذا كان الرب تبارك وتعالى قد حرم كلمة أُفٍّ عندهما، فكيف يتجرأ على السب أو الضرب، فإنه بهذا على خطر عظيم إن لم يتب إلى الله تعالى. وليعلم أن رحمة الله واسعة وأنه يقبل توبة من تاب وأناب إليه، بل قد يتفضل عليه فيبدل السيئات إلى حسنات. قال تعالى: إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئَكَ يُبَدُّل اللهُ سَيْئَاتِهمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا[الفرقان:70]. ثم ليعلم بعد هذا كله أن والديه لا شك حريصان على مصلحته، فكل ما قد يصدر منهما من تعنيف وكلام لا يرضى عنه فهو في سبيل تحقيق هذه المصلحة، فليلزم والديه وليطلب منهما المسامحة وليختر الصحبة الصالحة التي تذكره إذا نسي، وتعينه إذا ذكر. رزقنا الله جميعاً الهداية والثبات على طريق الخير حتى نلقاه. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 14123، والفتوى رقم: 5327، والفتوى رقم: 1145. والله أعلم.