عنوان الفتوى : حكم أخذ المنحة الدراسية من مؤسسة لها تعاملات ربوية
في بلدي مؤسسة رسمية خاصة بإحدى الوظائف الحكومية، تقوم بتقديم العديد من الخدمات لهم ولذويهم، مثل الإعانة في التغطية الصحية، رسوم التنقل بالقطار، شراء البيوت ولو بقرض ربوي، لكن نسبته أقل من البنوك، تخصيص منتزهات خاصة بهم بأثمنة رمزية، ومصادر دخل هذه المؤسسة من إعانات مالية من الدولة، من عطايا وهبات، من قروض، وكذا من مساهمات المشتركين بها الإجبارية، بما يمثل 2% من دخلهم السنوي، الخ، والدي اشترك بها منذ حوالي 20 عاما، والمؤسسة تخصص منحة بقيمة كبيرة للطلبة المتخرجين من الثانوية العامة المتفوقين بنسبة معينة، والحمد لله يسر لي الله الاستفادة منها، ووالدي استفاد من خدمات منهم من قبل، لكن مؤخرا أخذت تساورني الشكوك حول ما إذا كان ذلك حلالا أم لا، وذلك أولا بسبب القروض الربوية التي يعينون فيها، وثانيا لما بدا لي من شبه المؤسسة بشركات التأمين، فالكل يدفع لكن ليس الكل يستفيد بنفس النسبة، كما هو الحال بالنسبة لأبناء الموظفين غير الحاصلين على درجة التفوق لم يستفيدوا من المنحة، فهل يكون هذا المال حراما، رغم أنني أخذت المنحة عن استحقاق؟ وماذا أفعل بالمال المتبقي، علما أنني صرفت منه الثلث، والحمد لله يسر الله تعالى لي إنفاقه في الخير، ووالدي لن يسمح لي بالتخلص من المال، ليس انتهاكا للحرمة، ولكن اقتناعا منه أني أخذته باستحقاق، وليس غصبا، ولأن والدي كان يساهم في المؤسسة؟
الحمد لله.
أولا:
لا حرج عليك في الانتفاع بهذه المنحة ، ولو كانت المؤسسة تقع في محرمات أو كان في بعض مصادرها مال محرم؛ لأن المال المحرم من جهة كسبه: حرام على كاسبه فقط، ولا يحرم على من أخذه منه بوجه مباح، كالهبة والمكافأة ونحو ذلك.
قال محمد عليش المالكي رحمه الله: " واختلف في المال المكتسب من حرام، كربا ومعاملة فاسدة، إذا مات مكتسبه عنه: فهل يحل للوارث؟ وهو المعتمد، أم لا؟
وأما عين الحرام المعلوم مستحقه، كالمسروق والمغصوب: فلا يحل له ".
انتهى من " منح الجليل شرح مختصر خليل " (2/ 416).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قال بعض العلماء: ما كان محرما لكسبه، فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب، بخلاف ما كان محرما لعينه، كالخمر والمغصوب ونحوهما، وهذا القول وجيه قوي، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتري من يهودي طعاما لأهله، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر، وأجاب دعوة اليهودي، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة: (هو لها صدقة ولنا منها هدية) " انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد"(3/ 112).
ثانيا:
أما اشتراك والدك في هذه المؤسسة ففيه تفصيل:
1-فإن كان الاشتراك إجباريا، فلا حرج عليه، سواء انضبطت معاملاتها أم لا، وله الانتفاع بما يأتيه منها، ولو زاد على ما دفعه من مال.
2-وإن كان اختياريا، وكان الفائض من رسوم اشتراك المشتركين لا تأخذه المؤسسة لنفسها، وإنما تبقيه للمشتركين أو تستثمره لهم، فهذا تأمين تعاوني جائز.
ولا إشكال في هذا التأمين أن الجميع يدفع ولا يستفيد إلا البعض، فهذه طبيعة التعاون، أن يرصد المال لسد حاجة معينة، كالوفاة، أو ترك العمل، أو دفع الديات، أو للمتفوقين ونحو ذلك، فمن تحقق فيه الشرط أخذه. ويفترض أن المشترك متبرع بما دفع، لا يريد معاوضة، بل يعلم أنه يدفع وقد لا يحصل على شيء ممادفع.
لكن إن كانت المؤسسة تقرض الأعضاء بالربا، أو توفر لهم بيوتا بالربا، أو تضع المال في حساب استثماري ربوي، لم يجز الاشتراك في هذا التأمين، وعلى والدك الخروج منه؛ لأن إثم الربا –وكل معاملة محرمة- يلحق جميع الأعضاء؛ وذلك أن الإدارة وكيل عن المشتركين، فيلحقهم إثم ما تقوم به إذا علموا به واستمروا في عقدهم.
3-وإن كان الاشتراك اختياريا، والفائض تأخذه المؤسسة لنفسها، فهذا تأمين تجاري محرم.
وينظر لمعرفة الفرق بين التأمين التعاوني والتجاري: جواب السؤال رقم : (36955)، ورقم : (205100).
والله أعلم.