عنوان الفتوى : التصديق بالسحر بين الوعيد وعدمه، وحكم الاتهام بالسحر
ما حكم الشرع في رجل عمره 65 سنة يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يكتفي بأداء الفرائض بل يفعل النوافل والتطوع، إلا أنه يؤمن بالسحر لدرجة كبيرة، إذ أنه يتهم زوجة أخيه التي توفيت منذ أكثر منذ 15 سنة بأنها كانت تمارس السحر على ابنته لكي لا توفق في دراستها، وكل هذا ليس إلا اتهامات من زوجته التي كانت تتهم العديد من الناس أيضًا بالسحر، منهم أخته وبنت عمه وبنت كانت تشترك نفس الشقة مع بنتها التي لم تتمكن من إتمام دراستها، وحين زاره أخوه في الأيام الأخيرة كان هذا الأخير يحس أنه يراقبه كي لا يضع له السحر وزوجته هذه، التي في 60 من العمر، لا تريد الآن أن تكلم أخاه، وقد سافر إلى منزلهم، ليتسامح معهم بسبب بعض الخلافات القديمة ولنقاش موضوع السحر، ولم ترد أن تسلم عليه عند دخوله... ودليلهم الوحيد هو حلم ابنتهم منذ حوالي 13سنة حيث ادعت أنها رأت في الحلم زوجة عمها وجدتها شبه محترقات، فهل الإيمان بالسحر إلى هذه الدرجة يعد من أنواع الشرك بالله العلي العظيم؟ وما جزاء المخطئين في هذه القضية؟ وكيف يمكن للمخطئ في هذه الحالة أن يتوب....؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فوصفك للرجل بأنه مؤمن بالسحر إن كنت تعني أنه مصدق بوجود السحر في الواقع وأن له تأثيرا ـ بإذن الله ـ فهذا لا حرج عليه فيه، فالسحر موجود حقيقة وله تأثير على الأبدان بإذن الله تعالى، وإنما الذي لا يجوز هو اتهام الناس بغير بينة بأنهم سحروه، ولا يجوز أيضا تصديق السحرة فيما يزعمون أنهم يعلمونه من أمور الغيب، فهذا الذي جاء فيه الوعيد الشديد في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَقَاطِعُ رَحِمٍ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ.. رواه أحمد والحاكم وابن حبان.
قال الشيخ ابن عثيمين: إن المصدق بما يخبره به السحرة من علم الغيب يشمله الوعيد هنا، وأما المصدق بأن للسحر تأثيرا فلا يلحقه هذا الوعيد، إذ لا شك أن للسحر تأثيرا، وقد يسحر الساحر شخصا فيجعله يحب فلانا ويبغض فلانا فهو مؤثر، قال تعالى: فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه { البقرة: 102} فالتصديق بأثر السحر على هذا الوجه لا يدخله الوعيد، لأنه تصديق بأمر واقع. اهـ.
وتصديق الساحر فيما يخبر به من تلك الأكاذيب يعتبر من جملة الكفر ـ والعياذ بالله ـ وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: مَنْ أَتَى سَاحِرًا أَوْ كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه البيهقي وغيره.
ولا يجوز اتهام أحد بأنه سحر إلا ببينة، وليس من البينة الأحلام والرؤى، ولا يجوز تصديق السحرة والمشعوذين بأن فلانا هو من سحرهم، ومن فعل ذلك فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل بأن يُقْلِعَ عن الاتهام ويندم عليه ويعزم مستقبلا على عدم اتهام أحد بناء على تلك الظنون.
ونوصيكم بالسعي في الإصلاح بين أولئك المتخاصمين، فإن السعي في الإصلاح بين الناس من الأعمال التي يحبها الله تعالى ويثيب عليها الجزاء العظيم، كما قال عز وجل: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء: 114}.
والله أعلم.