عنوان الفتوى : نذر صيام أسبوع متتابع فأفطر أثناءه بسبب ابتلاع بعض الدم الذي يكون في الفم ، فهل انقطع التتابع؟
نذرت صيام أسبوع متواصل دون انقطاع، لكن في أحد الايام في منتصف الأسبوع أفطرت بسبب وجود دم في فمي قمت بابتلاعه، ولكن بعد ذلك أكملت ما تبقى من الأسبوع. السؤال : هل أعيد قضاء الأسبوع من جديد؟ أم أقضي ذلك اليوم الذي أفطرته فقط؟
الحمد لله.
أولا:
اعلم أن النذر مكروه ابتداءً ؛ لما روى البخاري (6608)، ومسلم (1639) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر، وقال: إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ.
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولا يستحب – أي : النذر - ؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن النذر ، وأنه قال : (لا يأتي بخير ، وإنما يستخرج به من البخيل) متفق عليه .
وهذا نهي كراهة ، لا نهي تحريم ؛ لأنه لو كان حرامًا لما مدح الموفين به ؛ لأن ذنبهم في ارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في وفائه ؛ ولأن النذر لو كان مستحبًا ؛ لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأفاضل أصحابه " انتهى من "المغني"(10/68) .
ثانيًا:
من نذر نذر طاعة ؛ فإنه يجب عليه أن يوفي به ؛ لما روى البخاري (6696) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ .
وإذا وفى الشخص بنذر الطاعة ، فإنه مأجور على فعل الطاعة المنذورة ، ومأجور – إن شاء الله – على الوفاء بذلك النذر ؛ فالله جل وعلا قد أثنى على الموفين بالنذر ، كما في قوله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا الإنسان/7، والمدح لا يكون ، إلا في أمر مستحب أو أمر واجب ، وكلاهما يثاب عليهما الفاعل.
ثالثًا:
من نذر صيام عدة أيام متتابعة ؛ كشهر أو أسبوع أو نحو ذلك ؛ وجب عليه أن يصومها متتابعة ؛ فإن أفطر يومًا منها بغير عذر فقد انقطع التتابع ، ووجب عليه استئنافها من جديد .
وأما إن أفطر يومًا منها بعذر ؛ كمرض أو سفر ، أو امرأة حاضت ؛ فلا ينقطع التتابع ، وله أن يكمل على ما صامه حتى ينتهي من صيام ما نذر.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" ولا يقطع التتابع إذا أفطرت المرأة للحيض ؛ لأن هذا فطر لابد منه ، ولا يقطع التتابع - أيضاً - إذا أفطر للسفر ، ولا يقطع التتابع إذا مرض فشق عليه الصوم ، وهنا نقول القاعدة : أن ما يجب عليه التتابع من الصيام إذا قطعه لعذر شرعي : فإنه لا ينقطع التتابع ، فإذا زال العذر أكمل الصيام ، ولا يلزمه أن يستأنف من جديد " انتهى من" لقاءات الباب المفتوح " ( 93 / السؤال رقم 16 ) .
والذي يظهر في حالتك أنك لم تكن معذورًا في إفطارك ؛ لأن ابتلاع الدم اليسير الذي يكون داخل الفم لا يفطر الصائم إذا ابتلعه بغير عمد .
وأما إن كنت بلعت الدم عمدًا وأن تعلم أنه مفطر ؛ فقد أفطرت عمدًا ، وقطعت تتابع الصيام .
وقد سبق بيان مسألة ابتلاع الدم في جواب السؤال رقم:(95565)، (147126).
وفي كلتا الحالتين يجب عليك استئناف صيام هذا الأسبوع من جديد؛ فإن من شرط التتابع بلفظه، أو نواه ، ثم أفطر في أثنائه لغير عذر: أنه يصوم أسبوعا آخر متتابعا، سوى الذي أفطر فيه ، ثم يكفر.
ينظر: "الإنصاف" للمرداوي (28/214-215).
وبما أنك قد شرطت على نفسك أن يكون "الأسبوع متواصلا، دون انقطاع"؛ فيلزمك ابتداء صوم أسبوع متواصل، دون انقطاع.
والأحوط أن تكفر مع ذلك، والجمهور على أن الكفارة لا تلزم.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(149486)، ورقم:(187335).
والله أعلم.