عنوان الفتوى : إذا لم يوتر الإمام وقاموا معه حتى انصرف فهل يكتب لهم قيام ليلة ؟
في هذا الزمان مرض كورونا منعنا من الصلاة في المساجد، فتجمعنا أنا وأصدقاء لي لصلاة العشاء والقيام التراويح، واتفقنا فيما بيننا أن نؤخر الوتر إلي آخر الليل؛ حتي نصلي مع أهلنا في البيت، فجاءنا شيخ وقال : يجب علينا أن نصلي الوتر، وننهي الصلاه اتباعا للسنة، وحتي نأخذ أجر قيام ليلة، وذكر لنا حديث( مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ )، مع العلم اننا جميعا نصلي كل واحد منا ركعتين من القيام وننصرف جميعا من بيتي، وقال لنا : إن سيدنا عمر لما جمع الناس على قيام رمضان صلوا القيام ١١ ركعة، فيجب أن تصلوا ١١ ركعة، قلنا له : نحن نكمل الصلاة في البيت، وقال لنا : صلوا الوتر، وانقضوه بعد الانتهاء، ثم صلوا ما شئتم مع أهلكم ثم أوتروا آخر الليل، فقمنا كلنا ونقضنا الوتر، فهل اتفاقنا على تأخير الوتر جميعا فيه خلاف السنة ؟
الحمد لله.
أولا:
لا حرج أن يصلي الإمام التراويح جماعة دون أن يوتر؛ ليوتر كل منهم آخر الليل، ويرجى لهم الدخول تحت الحديث الذي رواه النسائي (1364)، والترمذي (806)، وأبو داود (1375)،وابن ماجه (1327) عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : " صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنْ الشَّهْرِ فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ نَحْوٌ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ ثُمَّ كَانَتْ سَادِسَةٌ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا فَلَمَّا كَانَتْ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ " وصححه الألباني في "صحيح النسائي".
فالأجر الوارد في الحديث : يتحقق بالصلاة خلف الإمام من أول صلاته إلى انصرافه، سواء أوتر أم لا.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "من قام مع إمامه في صلاة التراويح، ولم يقم معه في التهجد آخر الليل هل يعتبر له قيام ليلة كاملة؟
ج: من قام مع الإمام حتى ينصرف : كتب الله له قيام ليلة، إذا كان إمامه صلى بهم في أول الليل وأوتر بهم له قيام الليل، وإن صلى مع من صلى في آخر الليل زيادة: فلا بأس، لكن لا يوتر وترين، إذا أوتر مع الأول لا يوتر مع الثاني، يصلي ما تيسر ولكن لا يوتر، إذا أوتر الثاني يصلي معه، ويشفعها بركعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا وتران في ليلة هكذا قال صلى الله عليه وسلم، فإذا أوتر مثلا في الحرم، أو في غير الحرم مع الذي صلى أولا، إن كان الأول أوتر، وإن كان ما أوتر فالحمد لله، لكن إذا أوتر الأول وأوتر معه فلا يوتر مع الثاني، لكن يصلي مع الثاني ما تيسر ولا يوتر معه، فإن أوتر معه في الركعة الأخيرة شفعها
بركعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا وتران في ليلة " انتهى من فتاوى نور على الدرب (9/ 460).
وليس في الحديث تقييد للفضل بأن يوتر الإمام بهم.
وما جاء من فعل الصحابة رضي الله عنهم لا يعتبر قيدا للحديث ؛ بل كان هذا هو الواقع منهم.
وكذلك : هو الأفضل ؛ أن يوتر الإمام، إلا إن كان سيعود للصلاة بالجماعة آخر الليل.
ووجه الأفضلية أن هذا فعله صلى الله عليه وسلم لما صلى بأصحابه، ثم هو فعل أصحابه فيما بعد مع أنهم كانوا يصلون أول الليل.
روى محمد بن نصر المروزي في "قيام الليل" ص217 عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ لَيْلَةً ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَالْوِتْرَ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْقَابِلَةِ اجْتَمَعْنَا فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَوْنَا أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا ، فَلَمْ نَزَلْ فِيهِ حَتَّى أَصْبَحْنَا قَالَ: (إِنِّي كَرِهْتُ وَخَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمُ الْوِتْرُ)".
وروى مالك في الموطأ (4) عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّهُ قَالَ: " أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَ: وَقَدْ كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ، حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ".
فالأفضل أن يوتر الإمام، وتشفعون خلفه بركعة، ثم هو إن شاء صلى آخر الليل من غير أن يوتر.
قال في "كشاف القناع" (1/ 427): " (فإن أحب) من له تهجد (متابعة الإمام) في وتره (قام إذا سلم الإمام فشفعها) أي ركعة الوتر (بأخرى) ، ثم إذا تهجد أوتر فينال فضيلة متابعة الإمام حتى ينصرف، وفضيلة جعل وتره آخر صلاته .
(ومن أوتر) في جماعة أو منفردا (ثم أراد الصلاة) تطوعا (بعده) أي الوتر (لم ينقض وتره) أي لم يشفعه (بركعة) ، لقول عائشة ، وقد سئلت عن الذي ينقض وتره - ذاك الذي يلعب بوتره . رواه سعيد وغيره .
(وصلى شفعا ما شاء إلى طلوع الفجر الثاني) ؛ لأنه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين ، (ولم يوتر) ؛ اكتفاء بالوتر الذي قبل تهجده لقوله - صلى الله عليه وسلم - لا وتران في ليلة . رواه أحمد وأبو داود عن قيس بن طلق عن أبيه وقيس فيه لين" انتهى.
على أن الذي يظهر أن الجماعة إذا كانت محصورة ، كما ذكر في السؤال ، وكانوا جميعا سيصلون بأهليهم إذا رجعوا إليهم : فلا حرج عليهم ، ولا كراهة في تأخير وترهم جميعا إلى آخر الليل ، بل يظهر أن هذا هو الأولى بهم ؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا رواه البخاري (998)، ومسلم (751) .
وينظر جواب السؤال رقم : (37729)، ورقم : (216236) .
وعلى ذلك، فتكون فضيلة تأخير الوتر، مع الثقة بعدم فواته، والصلاة بالجماعة الأخرى في بيته: أرجح من تقديم الوتر مع الجماعة الأولى، الذي سيعودون للصلاة بعد وترهم ، ويرجى له أن يكون قد جمع العمل بما وردت به السنة على وجوهه ، وألا يفوتهم أجر قيام الليلة ، بالصلاة مع الإمام.
ثانيا:
تعدد الأئمة في التراويح لا يضر، فلهم حكم الإمام الواحد، فمن قام معهم حتى انصرفوا نال الأجر.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: من صلى مع الإمام الأول صلاة التراويح ثم انصرف، وقال: لي قيام ليلة بنص الحديث، فإنني بدأت مع الإمام وانصرفت معه؟
فأجاب: أما قوله: " من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " فهذا صحيح.
ولكن هل الإمامان في مسجد واحد يعتبر كل واحد منهم مستقلا، أو أن كل واحد منهما نائب عن الثاني؟
الذي يظهر الاحتمال الثاني - أن كل واحد منهما نائب عن الثاني مكمل له - .
وعلى هذا فإن كان المسجد يصلي فيه إمامان فإن هذين الإمامين يعتبران بمنزلة إمام واحد، فيبقى الإنسان حتى ينصرف الإمام الثاني، لأننا نعلم أن الثانية مكملة لصلاة الأول.
وعلى هذا فالذي أنصح به إخواني أن يتابعوا الأئمة هنا في الحرم حتى ينصرفوا نهائيا " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13/ 436).
والله أعلم.