عنوان الفتوى : تذليل شبهات وعقبات من أمام حديثي عهد بالإسلام
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الكرام إخوتي أصحاب الفضيلة في إسلام ويب: أتمنى أن يتسع صدركم لأسئلتي.. لي أخت أحبها في الله وعمرها 20 عاما وأخاف عليها كثيرا، هي لا تزال حديثة الالتزام، ولديها الكثير من الأسئلة التي تجعلها في حيرة من أمرها، فهي تقول إن هناك أسئلة في الدين لا تستطيع أن تفهمها ولا تجد من يجيبها عليها، حتى إنها إذا سألت أحداً تلك الأسئلة يوبخها ولا يجيبها بشكل مقنع، وهي تقول: إن الدين يجب أن يتفق مع العقل ويجب أن نفهم كل شيء حتى نكون مسلمين عن اقتناع وفهم، لا عن مجرد التسليم دون الفهم، لأن المسلم الفاهم والمقتنع يستطيع أن يدافع عن دينه بشكل قوي ولا يهتز إيمانه بأي شكل، وهي تسأل لماذا مثلا فرض الله بعض الفروض علينا دون أن يذكر الحكمة فيها، وتسأل مثلا إنه صحيح لا إكراه في الدين ولكن هناك عقاب يوم القيامة للعصاة، فهذا يجعلنا مضطرين أن نطيع الله لا عن اقتناع في بعض الأحيان ولكن عن خوف، وهي تقول: أنا لا أريد أن أعبد الله فقط عن خوف، بل أريد أن أعبده عن حب، فكيف يمكن الوصول إلى هذه الدرجة؟ وتسأل أيضا: إن الله خلق الملائكة طائعين له ولا يعصونه فلماذا خلقنا وهو ليس بحاجة لنا والملائكة يفعلون ما يأمرهم الله مسيرين غير مخيرين؟ وتقول: إن الإسلام يقول كذا وكذا لكننا لا نجد من يطبق الدين بالشكل الصحيح، مما يجعلنا في حيرة هل الدين الإسلامي لم يعد مناسبا لهذا الوقت، ونحن نلاحظ أن معظم الملتزمين دائما يشعرون بالحزن وغير ناجحين في حياتهم العملية ومكتئبون، بينما غير الملتزمين ناجحون في حياتهم ومتفوقون، ولا يشعرون بالكآبة، وتقول: إنها من يوم بدأت في الالتزام بدأت المصائب تنزل عليها بشكل كبير، وكأن الله يعاقبها ... وتقول: إن كثيرا من علماء هذا الزمان والدعاة هم الذين يبعدون الناس عن الدين والله لأنهم لا يوضحون للناس الدين بشكل عملي مناسب للوقت الذي نعيشه، وإذا سألهم المسلم عن سؤال وبخوه وأجابوه: عليك أن تأخذ الدين والفرائض وتطبقها كما هي بدون أن تفهم كل شيء، لأن الله لم يوضح لنا الحكمة في كل شيء فرضه، ونحن عندما أعلنا إسلامنا أعلنا معه الاستسلام لله، فيجب أن لا نسأل عن كل شيء، لذلك، فإن صديقتي هذه تقول لي: إن هذا معناه أن نوقف العقل وأن نستسلم دون فهم، وهكذا إذا سألنا أحد لماذا هكذا دينكم لن نستطيع الإجابة بشكل منطقي، خصوصا أن الغرب الآن لا يأخذ شيئا دون فهم، ويريد أن يفهم ويقتنع حتى يقبل، أما إذا أجبنا بلا نعلم لماذا والله أمرنا بها، فسيضحكون علينا، وبما أننا نعيش في الغرب، فإننا نواجه تلك المشكلة .. وتقول أيضا: إنها في حيرة كبيرة من أمرها، فهي تشعر أحيانا أنها في قمة السعادة والقرب من الله وفجأة يتغير حالها وتشعر بالكآبة، أرجو أن أكون قد استطعت توضيح ما يراود صديقتي من أفكار تقلقها، وأنا كما قلت لكم إني أحبها وأخاف عليها، وأريد مساعدتها كي تصل إلى درب النجاة، وأنا واثقة أن هناك الكثير من الشباب والشابات ممن هم في مثل عمرها يشعرون بما تشعر به صديقتي، فأحببت أن أرسل لكم سؤالي، ربما يكون فيه بعض النصائح لمن هم في بداية الطريق، وأتمنى الإجابة على سؤالي وبارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا على ما تفعلونه وتقدمونه من أجل الإسلام، وإني في انتظار ردكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فنسأل الله للجميع الهداية والثبات. واعلمي أختي الكريمة أن الله سبحانه حكيم في خلقه وأمره، فلا يخلق سبحانه شيئا ولا يأمر بشيء إلا لحكمة وعلة علمها من علمها وجهلها من جهلها، فهو سبحانه لا يخلق ولا يأمر عبثا ولا لعبا. ومن الجميل أن يبحث المسلم عن الحكمة من كل خلق وأمر حتى يطمئن قلبه ويزداد يقينه ورغبته، لكن هناك أشياء من الخلق والأمر قد لا يستطيع العبد أن يعرف علتها، فما عليه حينئذ إلا أن يقول "آمنا به كل من عند ربنا" " سمعنا وأطعنا" ويجعل نصب عينيه قوله تعالى:لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[الأنبياء:23]. وهناك كتب تحدثت عن موضوع الحكمة من الأحكام الشرعية، ومنها كتاب حجة الله البالغة للكندهلوي. وفي الختام، نريد أن نتطرق إلى بعض الإشكالات الواردة في السؤال والجواب عنها باختصار: قولها: الدين يجب أن يتفق مع العقل، هذا كلام صحيح، لكن قد يظهر للبعض شيء من التعارض بينهما، فالمقدم حينئذ الدين، لأنه من عند الله العليم الخبير، والعقل قاصر عن معرفة كل شيء. قولها: يجب أن نفهم كل شيء حتى نكون مسلمين عن اقتناع وفهم لا عن مجرد التسليم دون الفهم: جوابه أنه قد تقدم أنه من الجميل أن يبحث المسلم عن الحكمة من كل خلق وأمر، لكن قد تواجهه أحيانا أشياء لا يعرف حكمتها، فليس أمامه حينئذ إلا التسليم. قولها: لما ذا فرض الله علينا بعض الفرائض دون بيان الحكمة؟ جوابه أن الله يبتلي العباد ليعلم من يستسلم له ومن يتلكأ، وكذلك ليفتح المجال للعقول في البحث عن ذلك. قولها: لا أريد أن أعبد الله عن خوف فقط، بل أريد أن أعبده عن حب مع خوف، فهذا كلام جيد وهو يتفق مع المنهج القرآني السليم: وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً[الأنبياء: 90]. فالخوف والرجاء والمحبة ثلاثة محاور متوازية في علاقة العبد بالله. ولكن ليس من شرط ذلك معرفة العلة والحكمة من كل شيء، حيث يمكن تنمية الخوف بتذكر الموت والقبر والحساب والعقاب والنار... ويمكن تنمية الرجاء بتذكر الثواب والجنة والمغفرة والعفو... ويمكن تنمية المحبة بالتفكر في المخلوقات وتذكر النعم واستحضار عظمة الله و... قولها: فلماذا خلقنا وهو غير محتاج لنا؟ جوابه: قوله تعالى:الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك: 2]. قولها: الملائكة مسيرون غير مخيرين، هذا غير صحيح، فهم مخيرون إلا أن طبيعتهم لا تقبل الاعتراض لأن الله فطرهم على الطاعة ولم يخلق لهم الشهوات التي خلقها للبشر. قولها: لا نجد من يطبق الدين بالشكل الصحيح... هذا التعميم خطأ بيِّن ، لأن هناك من المسلمين من يطبقون الإسلام، وهناك في المقابل مقصرون، وقصور كثير من المسلمين لا يعني أبدا أن هذا الدين لا يصلح لهذا الوقت، لأن هذ الدين قد طبق على فترات من قبل أهله، وحينها سادوا وعزوا وفتحوا البلاد وقلوب العباد. قولها: معظم الملتزمين يشعرون بالحزن، وغير ناجحين... ومكتئبون، وغير الملتزمين ناجحون ومتفوقون ولا يشعرون بالكآبة... هذا التعميم غير صحيح إطلاقا، بل إن أغلب الملتزمين يشعرون بالسعادة ويعملون بنشاط وأمانة و....، وعلى العكس، نجد أكثر غير الملتزمين يشعرون بالكآبة ولا يتصفون بأمانة و... لكن قد يكون البعد عن مجالسة فريق معين لا تجعل الشخص يفهم كما ينبغي. قولها: إنها منذ أن التزمت بدأت المصائب تنزل عليها...: جوابه أن هذه المصائب إنما هي ابتلاء من الله لها حتى يرى صدق التزمها، وحتى يمحصها ويهذبها ويكفر عنها الذنوب، والعبد يبتلى على قدر دينه. قولها: إن كثيرا من االعلماء والدعاة يبعدون الناس عن الدين... جوابه أن هذا التعميم أيضا غير صحيح، لكن قد يوجد من بين العلماء والدعاة من هو كذلك، فلا بد حينئذ أن ينصح ويرشد للطريق الأسلم في التعامل، ولا يجوز أن يكون هذا عذرا للبعض في ترك الدين أو تعميم الحكم على الجميع. وفي الأخير ننصح الأخت السائلة وصديقتها وأمثالهم بأن يتعرفن على الصحبة الصالحة من الأخوات والداعيات، ويعرضن عليهن أي إشكالات قد ترد عليهن. نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع. والله أعلم.