عنوان الفتوى : مدى صحة قصة رؤيا عبد الله بن المبارك
ما صحة قصة رؤيا عبد الله بن المبارك في قبول حج الحجاج بسبب موفق الإسكافي الشامي؟ هل لهذه القصة أصل في كتب التاريخ؟ ما هو مصدرها؟وهل يعول على مثلها؟ منقولة عن خطيب جمعة في الشام يقول: عبد الله بن المبارك رجل من كبار الصالحين، بل من كبار الأولياء – ولا أتألَّى على الله – لا أستطيع أن أتحدث اليوم في هذا المقام عن مناقبه، يقول: كنت في العام الماضي حاجاً إلى بيت الله الحرام، وفي ليلة من ليالي منى رأيتني في الرؤيا نائماً، وعند رأسي اثنان يتحدثان يقول الواحد منهما للآخر: أتدري كم هم الذين قَبِلَ الله حجهم في هذا العام؟ قال الثاني: لا، قال: إن كثيراً منهم لم يقبل الله حجهم، ولكن صفح الله عنهم جميعاً وقبل حجهم جميعاً بفضل موفق الإسكافي الشامي على أنه لم يحج، يقول عبد الله بن المبارك: فاستيقظت وليس لي هَمٌّ إلا أن أعود، فأعثر على هذا الرجل، وأعلم قصته والسبب في هذا الفضل العظيم الذي أكرمه الله به، واتجهت إلى الشام، وأخذت أبحث وأبحث وأبحث وصبرت إلى أن عثرت على موفق الإسكافي الشامي، سألته ما خبرك مع الحج، أحججت؟ قال: لا، قال: فحدثني عن قصتك، قال: وما السبب؟ قال: حدثني، فإن حدثتني فسأخبرك، قال له: أنا عملي إسكاف، وكان من شأني منذ أول العام أن أدخر كل ما يزيد من نفقات بيتي في مكان أرجو أن أحج به في نهاية العام، أو الذي يليه إلى بيت الله الحرام، ولما دنا الموسم نظرت فوجدت أن المبالغ التي ادخرتها يمكن أن تفي بحاجتي إلى الحج إلى بيت الله الحرام، فأخذت أعد العدة، وبينما أنا عائد إلى الدار ذات يوم استقبلتني امرأتي، وكانت حاملاً، ونظرت فإذا برائحة الشواء تفوح في الدار، أعطتني وعاءً وقالت لي: اذهب فاطرق باب جيراننا، وحدثهم عن وضعي، وأنني بحاجة إلى شيء من هذا الشواء الذي تفوح رائحته، فأخذت الوعاء وطرقت الباب، خرجت امرأة وحدثتني من وراء الباب، قلت لها وحدثتها وطلبت منها أن تضع شيئاً من الشواء في هذا الوعاء، نظرت وتلبثت ثم قالت: سأعطيك ولكن دعني أخبرك عن قصتي، وأنا مضطرة أن أخبرك عنها، فإن رأيت أن ذلك يصلح لكم أعطيتك، قال: ما القصة؟ قالت: مات زوجي منذ فترة طويلة، ونفدت النفقة منذ أسابيع، وأولادي يتضورون اليوم جوعاً، ونظرت وإذا بالهلاك يطرق بابهم ويتهددهم، نظرت فوجدت على مقربة منا شاة قد نفقت وألقاها أصحابها، أخذت قطعة منها وجئت بها إلى البيت لأقدم لهم منها طعاماً، يحميهم من الهلاك، ويسد رمقهم، يقول الإسكاف: فرجعت وأنا ألطم وجهي، قلت في نفسي: هذه جارتي تعاني وأولادها من هذا السغب الذي كاد أن يوديهم إلى الهلاك، وأنا أجمع المال من أجل أن أحج به إلى بيت الله الحرام، أخذت هذا المبلغ الفائض لدي كله وعدت فطرقت بابها وقلت لها: خذي هذا مالٌ أرسله الله عز وجل إليك، قال له عبد الله بن المبارك: أبشرك بأن الله لم يكتب لك أنت حجة فقط بل قبل حجة الحجيج أجمع بسببك أنت.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فرغم انتشار هذه القصة على ألسنة الوعاظ والقُصاص؛ إلا أننا لم نجد لها أصلاً في كتب أهل العلم الثقات، والقصة عليها علامات الوضع؛ إذ كيف يكون الإسكافي وليًا لله، وهو يلطم خده ألمًا مما وجده من فقر جارته، وهو غافل عنها، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لطم الخدود، وكيف يسأل الولي جارته طعامًا وهو مستغنٍ بالمال الذي أعده للحج؟ وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن سؤال الناس، وانظر الفتويين: 21997 / 62552.
والمذكور عن عبد الله بن المبارك مما له علاقة بهذه القصة، هو ما ذكره ابن كثير في ترجمته من (البداية والنهاية) فقال: خرج مرة إلى الحج فاجتاز ببعض البلاد، فمات طائر معهم فأمر بإلقائه على مزبلة هناك، وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها، فأخذت ذلك الطائر الميت ثم لفته، ثم أسرعت به إلى الدار، فجاء فسألها عن أمرها وأخذها الميتة، فقالت: أنا وأخي هنا ليس لنا شيء إلا هذا الإزار، وليس لنا قوت إلا ما يلقي على هذه المزبلة، وقد حلت لنا الميتة منذ أيام، وكان أبونا له مال، فظلم وأخذ ماله، وقتل، فأمر ابن المبارك برد الأحمال، وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟ قال: ألف دينار. فقال: عد منها عشرين دينارا تكفينا إلى مرو وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع. اهـ.
والله أعلم.