عنوان الفتوى : ما حكم نشر الدورات والبرامج والكورسات التي يمنع أصحابها من ذلك؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

إذا اشتركت في درس على الإنترنت، وقيل لي: إن الدرس مثلا ب ٢٠٠٠ ريال، ثم بعد اشتراكي وشرائي له أخذته ووزعته علي أصدقائي مجانا، فهل يجوز؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.

أولا:

حكم أخذ مقابل لدورة أو برنامج تدريبي  

يجوز حضور دورة أو برنامج تدريبي بمقابل، ويدخل ذلك في باب الإجارة، وهي بيع المنفعة، وقد يشتمل على بيع العين أيضا، إذا كان للدورة كتاب وقرص مدمج ونحوه.

ثانيا:

الأصل جواز الانتفاع للنفس أو للغير لمن ملك العين أو المنفعة

الأصل أن من ملك العين، أو المنفعة: جاز له الانتفاع بها لنفسه ولغيره، فلا يصح أن يُشترط عليه ألا يبيعها، أو ألا يهبها لغيره، فإن حصل فهو شرط فاسد في قول جمهور الفقهاء؛ للنهي عن بيع وشرط، ولأنه شرط مناف لمقتضى العقد.

وهل يفسد به العقد؟ فيه خلاف، وجمهورهم على فساده.

قال الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (4/ 372): "(وكبيع وشرط يناقض المقصود)

ش: يعني أن من البيوع المنهي عنها: البيع والشرط؛ فقد روى عبد الحق في أحكامه، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع وشرط.

قال ابن عرفة: لا أعرفه إلا من طريق عبد الحق .

وحمله أهل المذهب على وجهين، أحدهما: الشرط الذي يناقض مقتضى العقد.

والثاني: الشرط الذي يعود بخلل في الثمن.

فأما الشرط الذي يناقض مقتضى العقد: فهو الذي لا يتم معه المقصود من البيع، مثل أن يشترط عليه أن لا يبيع ولا يهب .

وهذا إذا عمم ، أو استثنى قليلا ، كقوله : على أن لا تبيعه ، جملة ، أو : لا تبيعه إلا من فلان. 

وأما إذا خصص ناسا قليلا:  فيجوز. قال اللخمي: وإن باعه على أن لا يبيعه من فلان وحده : جاز . وإن قال: على أن لا تبيعه جملة ، أو لا تبيعه إلا من فلان : كان فاسدا . ثم قال: وإن قال: على أن لا تبيع من هؤلاء النفر: جاز اهـ. فقيِّد به إطلاق المصنف" انتهى.

وقال النووي رحمه الله في أمثلة ما ينافي مقتضى العقد: " باعه شيئا بشرط أن لا يبيعه، أو لا ينتفع به، أو لا يعتقه أو لا يقبضه أو لا يؤجره، أو لا يطأها، أو لا يسافر به، أو لا يسلمه إليه، أو بشرط أن يبيعه غيره، أو يشترى منه، أو يقرضه، أو يؤجره، أو خَساره عليه إن باعه بأقل، أو أنه إذا باعه لا يبيعه إلا له، أو ما أشبه ذلك" انتهى من "المجموع" (9/ 368).

وقال ابن قدامة رحمه الله: " الرابع : اشتراط ما ينافي مقتضى البيع ، وهو على ضرين...

الضرب الثاني : أن يشترط غير العتق ، مثل أن يشترط أن لا يبيع ولا يهب ولا يعتق ولا يطأ، أو يشترط عليه أن يبيعه أو يقفه، أو متى نفق المبيع، وإلا رده، أو إن غصبه غاصب رجع عليه بالثمن، وإن أعتقه فالولاء له ؛ فهذه وما أشبهها شروط فاسدة.

وهل يفسد بها البيع ؟

على روايتين . قال القاضي : المنصوص عن أحمد : أن البيع صحيح ، وهو ظاهر كلام الخرقي ههنا ، وهو قول الحسن والشعبي والنخعي والحكم وابن أبي ليلى وأبي ثور .

والثانية : البيع فاسد ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي" انتهى من "المغني" (4/309).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (322104).

وذهب جماعة من أهل العلم إلى تصحيح الشرط والعقد، إلا ما كان ينافي مقصود العقد ، كاشتراط الطلاق في النكاح، أو اشتراط الفسخ في العقد.

وهو رواية عن أحمد، واختارها ابن تيمية وابن عثيمين. وينظر: "الفتاوى الكبرى" (4/ 82)، "الشرح الممتع" (8/ 243).

ثالثا:

حق التأليف والاختراع حق معتبر

المقرر عند أهل العلم أن حق التأليف والاختراع، حق معتبر لا يجوز الاعتداء عليه، وذلك مراعاة لقواعد الشريعة ومقاصدها العامة في نفي الضرر، وفي تحقيق مصلحة بقاء التأليف والاختراع، والتشجيع عليه.

وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بخصوص الحقوق المعنوية، جاء فيه:

" ثالثاً: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها " انتهى من "مجلة المجمع" (ع 5، ج 3 ص 2267).

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/ 187): " س: هل يجوز أن أسجل شريط من الأشرطة وأبيعها، ولكن دون طلب الإذن من صاحبها، أو إن لم يكن صاحبها على قيد الحياة من الدار الخاصة بها، أي بتسجيلها؟ وهل يجوز أن أصور كتابا من الكتب، وأجمع منها عددا كبيرا وأبيعها؟ وهل يجوز كذلك أن أصور كتابا من الكتب ولكن لا أبيعه، وإنما احتفظ به لنفسي، وهذه الكتب التي تحمل علامة (حقوق الطبع محفوظة) هل أطلب الإذن أم لا؟ أفيدونا بارك الله فيكم.

ج: لا مانع من تسجيل الأشرطة النافعة وبيعها، وتصوير الكتب وبيعها؛ لما في ذلك من الإعانة على نشر العلم إلا إذا كان أصحابها يمنعون من ذلك، فلا بد من إذنهم " انتهى.

ولهذا نقول: إن توزيع مادة الدورة أو البرنامج على صديق أو صديقين أو ثلاثة مجانا: لا حرج فيه؛ لعدم الضرر.

ويجوز بيع نفس النسخة التي اشتريتها من الدورة، دون النسخ منها للبيع، فإذا كان للدورة كتاب، أو أسطوانة أو نحو ذلك، قد اشتريتها، فلا حرج عليك في بيع هذه النسخة التي اشتريتها بعينها، أو هبتها لغيرك، لأنها صارت ملكا لك بالشراء؛ فلك أن تبيعها، أو تهبها لغيرك.

وأما نسخها وبيع نسخ منها: فلا يجوز إن منع أصحابها من ذلك.

وكان الأصل جواز البيع ولو منع أصحاب البرامج، لكن روعي هنا حق التأليف والاختراع وما يترتب على حفظه من مصالح، وهو موافق لقول من صحح الشرط من العلماء كما تقدم.

فمستند جواز التوزيع المجاني إذا كان لعدد محدود: العمل بالأصل، مع انتفاء الضرر الكثير على أصحاب الدورات والبرامج، بخلاف نسخها، وبيع هذه المنسوخات؛ لأنه أكثر ضررا، وبخلاف التوزيع المجاني إذا كان لعدد كثير فإن ضرره كالبيع.

سئل الشيخ ابن عثيمين: هل يجوز أن ننسخ من الأشرطة التي كتب عليها أن حقوق الطبع محفوظة، وهل يتغير الحكم إذا كان النسخ للتوزيع أي للدعوة وليس للتجارة؟

فقال: الظاهر لي أنه إذا كان النسخ على وجهٍ خاص شخصي: لا بأس.

وأما إذا كان للاتجار، مثل أن ينسخ محل تسجيل هذه الأشرطة، فإنه لا يجوز؛ لما في ذلك من الاعتداء على حق أخيه.

أما طالبٌ يريد أن ينسخ من طالبٍ فلا بأس" انتهى من "التعليق على الكافي لابن قدامة" (3/ 373)، بترقيم الشاملة آليا) بتصرف يسير.

والله أعلم.