عنوان الفتوى : حكم من تتعفف وتتستر لييسر الله لها أمر الزواج
أيجوز لبس المسلمة للحجاب الصحيح (بشروطه التي حددها العلماء) وترك حجاب الموضة، ولبس عباءة (وليس تونيك!) واسعة، لا تشف، طويلة للقدمين، بلا فتحة! وتضيق فتحة الكم: بأزرار، أو تضع إصبعها في حلقة كم الإسدال، أو الملحفة؛ لستر ذراعيها عند رفع يدها، ولبس خمار لا يشف فوق العباءة: يغطي كل الشعر والرقبة، والصدر والظهر والأرداف، ولبس بنطلون واسع، لا يشف تحت العباءة، ليسترها عند صعود السلم، والمواصلات ونحوه، ولبس جورب (شراب) داكن (غامق) لا يشف، وليس مثقبًا، أو بلون الجلد(بيج) لستر قدميها، أو لبس إسدال، أو ملحفة تغطي كل جسمها (من رأسها حتى قدميها) ولون ملابسها لا يلمع، وغير مزخرفة، أو مطرزة، أو لامعة، أو بألوان ملفتة، وإذا كان قماش الخمار أو العباءة ناعما: فتلبس تحتها بطانة تماثل طولها؛ لئلا تلتصق ملابسها بجسدها، خاصة في الريح، ولا تلبس كعبا عاليا- خلخالا- أساور تصطك معًا محدثة صوتا، ولا ترفع شعرها، أو الطرحة كسنم جمل، ولا تخرج متعطرة، أو مبخرة لبسها، ولا تضع طلاء أظافر، أو كريم أساس، أو مكياج الفم أو العين أو الوجه، أو كحلا أو ماسكرا، ولا تضع عدسات ملونة، أو أظافر صناعية، أو فصا في الوجه، ولا تتنمص (ترقق حاجبيها) ولا تفلج (برد بين الأسنان) أو الوصل (باروكة، أو رموش صناعية، أو تركيب ضفائر صنعت من الشعر) أو الوشم (جرح جزء من البدن؛ ليحشى كحلا ونحوه، فيخضر أو يزرق أو يحمر، أو الوشم بالليزر، أو بأي طريقة أخرى معروفة حاليا، أو تستحدث فيما بعد، ولا تقوم بجراحة تجميل للتحسين (بلا داعٍ طبي ملح) ومشيها بوقار بجانب الطريق وليس وسطه، وعدم رجوعها لبيتها متأخرة ليلا، والارتقاء بأخلاقها، وصحبة الصالحات الطيبات؛ وكلها يقين أن الله سيرزقها زوجا صالحا طيبًا يعينها على طاعة الله؛ لقول الله: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) النور(26) وبذلك يكتمل إيمانها؛ لاكتمال يقينها أن الله سيرزقها، وينصرها، ويثبتها على الحق حتى تلقاه؛ كما خضعت لحكمه، ونصرت شريعته؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) مُحمد(7). وقول ابن مسعود: الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ، وَالْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ. صحيح الترغيب(3397). قال الألباني: الصبر: العمل مقرونًا بالإيمان.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه يجوز فعل المرأة لهذه القربات العظيمة، رغبة في أن يستجيب الله تعالى دعاءها، ويرزقها من فضله زوجا صالحا؛ فإن العفة والالتزام بالستر من أسباب تحصيل الزواج؛ لقوله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ{النور:33}.
ولحديث الصحيحين: ومن يستعفف يعفه الله.
وقد ذكر أهل العلم أن من عمل صالحا يريد بذلك وجه الله، وتحصيل غرض من أغراض الدنيا، فإن عمله صحيح، ويثاب على قدر ما أخلص من عمله، إذا كان الباعث الأصلي على العمل هو إرادة وجه الله.
وقال ملا علي القاري في شرحه على مشكاة المصابيح، أثناء شرحه لبعض الأحاديث: وفي هذه الأحاديث إشارة إلى أن العمل لله مع رجاء الثواب الذي رتبه على ذلك العمل، وطلب حصوله، لا ينافي الإخلاص والكمال، وإن نافى الأكمل، وهو العمل ابتغاء وجه الله تعالى لا لغرض، ولا لعوض. انتهى.
وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في شرحه للأربعين النووية، عند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.
قال: وهذا من الثواب الذي جُعل في الدنيا والآخرة، فلا بأس من أن يقصده المسلم في أن ييسر على إخوانه، رغبة فيما عند الله -جل وعلا- ورغبة في أن ييسر عليه في الدنيا والآخرة؛ لأن هذا كما ذكرنا في شرح حديث: إنما الأعمال بالنيات. لا ينافي الإخلاص. فإن العمل إذا رتب عليه الثواب في الدنيا، أو في الدنيا والآخرة، وجاءت الشريعة بذلك، فإن قصده مع ابتغاء وجه الله جل وعلا، والإخلاص له، لا حرج فيه. انتهى.
وأما من عمل عملاً لا يريد بذلك إلا حظاً من الدنيا، فليس له إلا ما نوى، كما قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {هود: 15-16}، روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: من عمل صالحاً التماس الدنيا صوماً، أو صلاة أو تهجداً بالليل، لا يعمله إلا لالتماس الدنيا، يقول الله: أُوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعمل التماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين.
ويقول صاحب كتاب تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد، نقلاً عن محمد بن عبد الوهاب: فمن ذلك العمل الصالح الذي يفعله كثير من الناس ابتغاء وجه الله من صدقة، وصلاة، وإحسان إلى الناس، وترك ظلم، ونحو ذلك مما يفعله الإنسان، أو يتركه خالصاً لله، لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة، إنما يريد أن يجازيه الله بحفظ ماله، وتنميته، أو حفظه أهله وعياله، أو إدامة النعم عليهم، ولا همة له في طلب الجنة، والهرب من النار، فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا، وليس له في الآخرة نصيب، وهذا النوع ذكره ابن عباس رضي الله عنهما. اهـ.
ولكن الأولى أن تعمل المرأة الصالحات بنية الامتثال، والطاعة للأوامر الشرعية، ثم تسأل الله تعالى، وتتوسل إليه بالعمل الصالح أن يحقق لها ما تتمناه من زوج أو غيره؛ فإن التوسل بالأعمال الصالحة جائز, بل مأمور به, ولا ينافي الإخلاص؛ إذ الإخلاص نفسه عبادة يتوسل بها, كما في الحديث المذكور.
يقول ابن باز: أما الوسيلة المشروعة، فهي التوسل إلى الله بالإيمان، والعمل الصالح، وسائر ما شرعه الله جل وعلا، وهي المراد في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} يعني: القربة إليه بطاعته، كالصلاة, والصوم, والصدقة، والحج، وإخلاص العبادة لله ونحو ذلك. اهـ.
والله أعلم.