عنوان الفتوى : النص والإجتهاد
ما معنى قولهم : لا اجتهاد مع النص، وهل هذا يمنع الاجتهاد فيما يجد من الأمور في الحياة؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
هذا التعبير يُقْصد به أنَّ الإنسان إذا أراد أن يعرف حكمًا شرعيًا ينبغي أن يرجع إلى الكتاب والسنة، فإن وجد فيها الحكم اقتنع به وأراح نفسه ولا يكلفها البحث عنه في مصادر أخرى يقوم عليها كالقياس ونحوه. فالذي يريد أن يعرف وجوب الصلاة يكفيه قوله تعالى : (وأقيموا الصلاة) [سورة البقرة]، وقوله -صلى الله عليه وسلم- : “بُنِي الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة…” (رواه البخاري ومسلم).
والذي يُريد أن يَعرف عدد الصلوات المفروضة وعدد ركعات كلٍّ منْها فلْيَرْجع إلى سُنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفيها الكثير مما يدل على ذلك. وأيُّ اجتهاد يُخالف ما نصَّ عليه القرآن والسنة فهو مرفوض. وهذا لا يمنع القول بجواز الاجتهاد في النص بمعنى أنه إذا امتنع الاجتهاد لمعرفة الحكم مع وجود النص، فإن النص نفسه يجوز فيه الاجتهاد، لا لقبوله أو رفضه، ولكن لفهمه فهمًا دقيقًا إذا كان فيه اشتباه مثلًا، إن تشريع الوضوء للصلاة جاء صريحًا في قوله تعالىLيَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [سورة المائدة:6]، فمسْح الرأس مطلوب، ولكن هل يَجب مسْح جميع الرأس أو يكفى مسح البعض؟ إن الباء التي تَعدَّى بها الأمْر بالمَسح هي التي اجْتهد فيها العلماء من أجل معرفة القدْر الممْسوح؛ وذلك لأنَّ لها عِدَّةَ معانٍ في اللغة العربية والقرآن الكريم عربي يُفسَّر عند عدم وجود النص على ضوء هذه اللغة فقال بعض الفقهاء بوُجوب مسح الرَّأْس، واكْتَفَى البَعْض بمَسْح جزْء من الرأس، وتوضيح ذلك ليس محلُّه الآن.
فالخُلاصة أن الاجتهاد لمعرفة الحكم ليس له محل ما دام النص موجودًا، أما الاجتهاد في النَّص لفَهْمه فَهْما دقيقًا فيجوز على القواعد التي وضعها العلماء لذلك، وهي مذْكورة في موضوع آخر من هذه الفتاوى.