عنوان الفتوى : حكم أخذ الولد من مال أبيه مقابل عمله
لي جد عنده العديد من الأموال وله ابن واحد وأربع بنات، علما بأنه بدأ من الصفر وبمساعدة ذلك الابن استطاع أن يكون هذه الثروة الهائلة، وبعد ذلك كتب وهو مازال على قيد الحياة فداني أرض زراعية لبناته وباقي الأموال لابنه الوحيد، فهل ذلك يجوز شرعا؟ وهل لذلك الابن نصيب خاص لمساعدة أبيه؟ أرجو الإفادة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإذا كانت عادة البلد الذي أنتم فيه جارية بالمسامحة بين الرجل ومن يكتسب معه من أولاده، فليس لهذا الولد شيء خاص من مال والده. أما إذا جرت عادة أهل البلد بخلاف ذلك فإن له أجرة عمله في ذلك المال. بمقتضى هذا أفتى العلامة محمد بن أحمد بن محمد المعروف بعليش في فتاواه(فتح العلي المالك)، وإليك نص السؤال الذي وجه إليه في هذا الموضوع وجوابه عنه: ما قولكم في رجل له أموال وتحت يده أطيان وله أولاد قد حركوا معه ذلك مدة قبل بلوغهم وبعده وترتبت عليهم غرامات فدفعوها من ذلك والآن أرادوا الانفصال عن أبيهم ومقاسمته في الأموال والأطيان فهل يجابون لذلك؟ وإذا قلتم لا فهل يلزم أباهم أن يدفع ما عليهم من الغرامة، أو لا أفيدوا الجواب . فأجبت بما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الله، نعم لا يجابون لمقاسمة أبيهم في أمواله وأطيانه بل جميع أمواله وأطيانه له وحده ثم ينظر لعادة أهل بلدهم فإن كانت جارية بالمسامحة بين الرجل ومن يكتسب معه من أولاده في التكسب والنفقة حمل الجميع على التبرع فهو متبرع بما أنفقه عليهم وما غرمه عنهم وهم متبرعون بعملهم معه فلا يرجع عليهم بشيء مما أنفقه عليهم ولا مما غرمه عنهم ولا يرجعون عليه بشيء من أجرة عملهم وإن كانت جارية بالمشاحة والمحاسبة فيما ذكر حاسبهم بما أنفقه عليهم وما غرمه عنهم بعد بلوغهم وقدرتهم على الكسب وحاسبوه بأجرة عملهم بنظر أهل المعرفة فإن تساويا فلا رجوع له عليهم ولا لهم عليه وإن زاد أحدهما رجع من له الزيادة بها أيا كان كما أفتى بذلك شيخ مشايخي خاتمة المحققين أبو محمد الأمير وقد سئل عن الرجل يتكسب معه بعض أولاده ثم يموت الرجل هل يختص المتكسب بشيء من التركة ونص الجواب العادة محكمة في ذلك فإن كان العرف في ذلك مبنياً على المسامحة بين الرجل ومن يكتسب معه فهو من ناحية التبرع في معاونة الأب فلا يختص بعد موت الأب بشيء وإلا حاسب بحسب تكسبه بنظر أهل المعرفة. انتهى وبهذا يعلم أنه لا يحق للولد أن يأخذ شيئا خاصا من مال أبيه في مقابل عمله ما لم يجر بذلك عرف البلد الذي هو فيه أو يعطيه هو له في حياته، فإذا أعطاه شيئا وحازه تم له ملكه، ولا إثم على الأب في تخصيص هذا الابن الذي سعى معه حتى حصل بمساعدته على المال، وذلك لأن العلماء نصوا على جواز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطية لمسوغ شرعي، ولا شك أن مساعدة الأب في تحصيل المال والسعي معه أمر مهم يستحق صاحبه أن يكافأ عليه ويؤثر على غيره، لذلك فإنا نرى أن ما كتبه هذا الأب لولده إذا حازه الولد في حياة أبيه واستبد به أنه له، وكذلك ما كتبه لبناته إذا كنّ حزنه في حياة أبيهن، أما إذا لم يحصل حوز في حياة الأب، فإن الهبة كلها باطلة والمال كله تركة، ولا عبرة بالكتابة ما لم يكن عرف البلد جاريا بتعويض الولد عن عمله مع والده كما قدمنا، فيستحق حينئذ من المال أجرة مثله. والله أعلم.